جريدة روزاليوسف
أيمن عبد المجيد
مصر ورقعة الشطرنج «٤»
جريمة بحق الإنسانية تلك التى ترتكب فى سوريا، دمار وقتل للشيوخ والنساء والأطفال، الكل يتنصل من مجزرة حلب وأخواتها، ولم لا والدولة الشقيقة باتت ساحة للصراع العالمى والحرب بالوكالة، من أمريكا إلى روسيا، إلى الصين والنظام الصفوى الإيرانى وذيله حزب الله، إلى الأذرع الإرهابية متعددة الولاءات والتمويلات العائدة للأسف لبعض دول خليجية بينها قطر، وبالطبع تركيا والكيان الصهيونى القابع فى الجولان وعبر جواسيسه على الأرض السورية. فقط يغمض العالم عينا ضميره، عندما تتحكم المصالح، هل من تفسير لاتفاق أمريكى - روسى على هدنة فى سوريا تشمل دمشق واللاذقية، وتتجاهل حلب الواقعة تحت قصف جوى همجى، غير حسابات المصالح والتفاهمات بين الدول، تلك الدول تتلاشى عندها كليشيهات حقوق الإنسان عندما يكون ذلك الإنسان ليس من حاملى جنسيتها. لماذا سوريا؟ لأنها نقطة وثوب عسكرية على قلب المنطقة العربية عبر شاطئ الشام بالبحر المتوسط، بدءاً باللاذقية الساحلية، لذلك سارعت روسيا بنقل قواتها منذ أشهر إلى الأرض، لتسبق أمريكا، وبإسقاط تركيا طائرتها، سارعت بانتهاز الفرصة لتحقيق أحلامها بالتواجد عبر قاعدة ساحلية ونشر بطاريات الصواريخ. الجيوبلتيك علم تأثيرات الجغرافيا على القرارات السياسية، وجغرافيا سوريا ومصر والسعودية، والعراق جعلتها فى بؤرة الاستهداف، فالموقع الجغرافى لكل من سوريا والعراق كنقطة وثوب لقلب المنطقة، يفسر ما عانته وتعانيه الدولتان، العراق البوابة الشرقية للمنطقة العربية، التى تصدت لسنوات لمشروع الأحلام الفارسية الإيرانية، قبل أن تتلاقى مصالح الفرس والأمريكان وإسقاط بغداد، وسوريا البوابة الساحلية، بينما مصر والسعودية فى القلب بقارتى آسيا وإفريقيا، يحصن مصر إلى جانب موقعها الجغرافى قناة السويس الممر العالمى، والسعودية المقدسات الدينية على أرضها. وفى ظل النجاح النوعى للمخطط الغربى بالبدء فى تدمير أطراف الوطن العربى، فى مسعاهم للوصول للقلب مصر، عبر تدمير ليبيا فى الغرب، والعراق فى الشرق، وسوريا بوابة الشام، بات المنطقة سهل الوثوب إليها عسكريًا عبر البحر المتوسط من اللاذقية السورية، أو خليج سرت وطرابلس فى ليبيا، بما جعل مصر والمنطقة فى حالة انكشاف استراتيجى. فى لعبة الشطرنج التصدى لتلك النقلات الغربية على رقعة الشطرنج حتميًا، بالإسراع بخلق تحالفات بديلة عن الدول المدمرة، فكان التحالف المصرى - الخليجى الذى يشهد نموًا كبيرًا الآن، عبر تنمية القدرات العسكرية لدول الخليج وتحديث منظومات التسلح بما تملكه تلك الدول الشقيقة من روؤس أموال، والمناورات المشتركة، والدعوة لقوة عربية مشتركة، تحرك مصرى فى غاية الأهمية لبناء ظهير تعويضى عن الجيوش المنهارة فى ليبيا والعراق وسوريا، وأسلحتها التى كانت فى الوقت ذاته مخزوناً استراتيجياً داعماً لمصر فى حال اندلاع صراع مع الكيان الصهيونى. ولا شك كما كانت الدول العربية ظهيراً لمصر، فإن مصر لها ظهير قوى أيضًا، فمصر هى التى تواجه إسرائيل الآن فى المنظمات الدولية للتصدى لمطامعها فى الجولان، وهى الدرع الواقية والداعم للأشقاء فى الخليج لمواجهة الأطماع الفارسية، لكن من المهم جدًا أن يتم ذلك وفق استراتيجية تحقق الأهداف دون الوقوع فى أخطاء الماضى، فليس من الحصافة أن تنجر لمعركة يريدها لك الخصم وأنت لست مستعدًا لها. ومن هنا تأتى أهمية التحركات المصرية - السعودية الدفاعية، عبر جسر يربط جغرافيا البلدين، ليصل بذلك بين عرب آسيا وإفريقيا، وما لذلك من انعكاسات تنموية ودفاعية واقتصادية، لكن حتما سيكون للمعادين من الغرب تحركاتهم لإحباط تحقيق الأهداف، فحزمة المشاريع السعودية - المصرية تتوقف بالأساس على القدرة التمويلية السعودية، أى الاقتصاد، وهو ما تستهدفه أمريكا الآن، لتصبح السعودية عاجزة عن الإيفاء بتعهداتها التى أبرمتها فى الاتفاقات. محاولات التعجيز بدأت فعليًا منذ أعلنت السعودية وقوفها لجوار مصر فى أعقاب ثورة ٣٠ يونيو، بالتلاعب فى أسعار النفط، بإلغاء الحظر على إيران لتدفع بكميات كبيرة بالسوق العالمى، إلى جانب خلق داعش واستيلائها على عدد كبير من آبار النفط فى العراق وسوريا، بما زاد من المعروض، إلى جانب اعتماد أمريكا على النفط الصخرى والمخزون الذى نهبته من العراق فى السنوات الأخيرة لينخفض سعر برميل النفط إلى ٣٦ دولاراً فقط، بعد أن وصل ١٠٠ دولار فى السابق. ومع الاتفاقيات الأخيرة بين مصر والسعودية أعلنت أمريكا أنها بصدد عرض مشروع قانون على الكونجرس يمنح أسر ضحايا تفجير برجى التجارة العالميين بأمريكا، اللجوء للقضاء لإجبار السعودية على دفع تعويضات ضخمة بزعم مسئوليتها عن العمليات الإرهابية كون العدد الأكبر ممن زعمت أمريكا تنفيذهم الحادث مواطنين سعوديين، وبالطبع تلك المحاولة هدفها استنزاف قدرات السعودية الاقتصادية، إلى جانب استمرار تحريك أذرع إيران باليمن «الحوثيين»، لتهديد حدودها لتواصل حربها ضدهم لاستنزاف اقتصادها فى شراء السلاح الأمريكى والغربى، ومن ثم تصل لمرحلة العجز عن الإيفاء بتعهداتها الاستثمارية فى مصر، فهل سينجحون أم سننجح نحن العرب فى مواجهة التحديات المصيرية؟ وبالتوازى مع ذلك التهديد الاقتصادى، جاء إسقاط الطائرة الروسية لضرب الاقتصاد المصرى بتجفيف موارد السياحة، وما إن بدت العلاقات المصرية - الإيطالية تتحسن حتى طفت على السطح قضية ريجينى، ومع تنامى التعاون المصرى - الفرنسى خاصةً بعد صفقة تنويع السلاح عبر الرافال وسفينتى الاقتحام البرمائى مسترال، حتى مورست الضغوط على فرنسا من البرلمان الأوروبى لقطع العلاقات باسم ريجينى، لكن المصالح الفرنسية مع مصر دفعت للقفز على ذلك وجاء الرئيس الفرنسى فى زيارة للقاهرة. لكن السؤال هل انتهت المواجهة؟ الإجابة لا.. هل لا نرتكب أخطاء؟ قطعًا نرتكب أخطاء فى الوقت الذى نحقق فيه إنجازات.. ماذا على الدولة أن تفعله لمواجهة التحديات المصيرية؟ للحديث إن شاء الله بقية. -
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف