- عجوز السبيل: سيعود! سيعود! الفارس أحمد سيعود!.
مختار إلى جوار العجوز على باب السبيل يقول لنفسه: ستعود!.. ستعود أمل مرة ثانية. شهر مضى ولم أرها. منذ آخر مرة التقيت بها وتنزّهنا عند مسجد «أحمد بن طولون»، لم أرها. لكنها ستعود!.. أمل ستعود. كانت عيناها تلك المرة مختلفة، ليس فيها فضول النظرة الأولى. كانت وقتها لامعة متطلعة شغوفة بالرؤية. أما آخر مرة فقد كانت ترى المسجد للمرة السابعة أو الثامنة. لكنها ستعود!. كل مرة كنت أقول لها إننا تأخرنا، وكانت تتشبث كطفلة بالبقاء. أما آخر مرة فقد استعجلت الذهاب. قالت هذا يكفى. لقد تأخرت!، ولا أريد أن أعطلك يا مختار. ألن تعود إلى العمل فى المسمط مرة أخرى؟. لقد كنتُ السبب فى استبعادك من العمل فيه. لا يهم يا أمل، لا يهم. أريد أن أبقى معك. ولكنى تأخرت!.. هذا يكفى!.. لا يا أمل.. لا يكفى. إننى أريد أكثر، لكنها أصرّت وذهبت، لكنها ستعود. أمل ستعود!.. إننى أنتظر عودتها فى كل لحظة. آه.. وما أشد قسوة لحظات الانتظار!. وددت لو جلست إلى جوارك هنا يا عم عباس كى أنتظر.
- فهمى: أخوك مختار يا طارق.. حاله تسوء يوماً بعد يوم. يخرج بالساعات ولا يعود إلا فى الليل، إن عاد!. إننى أراه يجلس إلى جوار عم عباس على باب السبيل. لقد أطلق لحيته. أصبح أخاً مثلك!.. ليس أخاً فى الله، وإنما أخ فى الكآبة!.
- طارق: هل ترى أن الموقف يستحق السخرية!.. إننى لا أدرى ماذا أصابه؟!.. تحدثت إليه كثيراً. قلت له قم وتوضأ وصلِّ لله، عساه أن يُذهب عنك ما أنت فيه من هم وحزن، لكنه لم يفعل. الصلاة شفاء، وهو -مثلك- لا يصلى يا فهمى!.
- فهمى: حل مشكلة أخيك ليس فى الصلاة، بل فى الوصل. الوصل يا أخ واصل!. لقد نصحته ولم يفعل. ولو فعل لما صار إلى هذه الحال.
- طارق: إننى لا أفهم!. إنك تُخرّف. أحدكما يخرف بالكلام.. والآخر يخرف بالسكات!. ربنا يهديك أنت وأخاك.
- فهمى: يا طارق حاول أن تشاركنا أزماتنا. أعطنا من وقتك مثلما يأخذ منك إخوة الزاوية. هل هذا من الإسلام؟!.
- طارق: وأين أنتم من الإسلام؟ أخوك مختار متأزم بسبب تلك الفتاة التى يُغضب الله معها. هل تظن أننى لا أدرى؟!.. لا إننى أعلم كل شىء!.
- فهمى: وماذا فى ذلك؟!. إن أخاك يحبها!.
- طارق: يحبها؟! كما تحب أنت ابنة بائع الفول. أليس كذلك؟!.
- فهمى: وما مشكلتك فى ذلك يا طارق؟! إننا أحرار فى ما نفعله.
- طارق: ابنة بائع الفول يا فهمى؟!.
- فهمى: أمرك غريب يا طارق!.. وماذا فى بنت بائع الفول؟! أليست إنسانة مثلها مثلك!. إنك عجيب جداً!.. ألا يساوى الإسلام بين الناس؟.. حتى أنت يا طارق تفكر بطبقية؟!.
- طارق: المساواة بين المؤمنين بالله إيماناً حقيقياً!.. والله تعالى فضّل بعض الناس على بعض.
- فهمى: طبقى يا طارق.. طبقى!. عموماً لا تلُم علىّ!.. فأنا طبقى مثلك، لكن طبقيتى مشتقة من طبق الفول!.. إننى طبقى بهذا المعنى!.