بوفاة سعد زعيم المصريين وقائد ثورة 19.. فراغ مخيف أصبح موجودًا وتراوحت الآراء حول اختيار رئيس الوفد ما بين فتح الله بركات المعروف بداهية الوفد والذراع اليمنى لسعد ومصطفى النحاس صاحب الصفحة النقية والنفس الثائرة وسكرتير عام الوفد.. اختيار النحاس كان انحيازًا لروح الثورة والحداثة فى مواجهة نزعات التوريث والطبقية، فقد كان فتح الله بركات مؤثرًا وابن أخت سعد وكان تعليمه أقل كثيرًا من النحاس.. تركت الانتخابات ندوبًا فى الجسد الوفدى ظهرت آثارها مع خلاف سياسى مبدئى حول تشكيل الوزارة القومية فى 1932، لم يوافق النحاس ومكرم وماهر والنقراشى وكان خروج السبعة والنصف (محمد الباسل ـ مراد الشريعى ـ نجيب الغرابلى ـ فخرى عبدالنور ـ فتح الله بركات -عطا عفيفى ـ راغب اسكندر- على الشمس "الذي كان يلقب بالنصف لقصر قامته").. خرجوا ولم يكن لهم أثر يذكر وعاد بعضهم فى بداية الأربعينيات.
< الانسلاخات الأولى حدثت والوفد خارج الحكم.. أما انشقاق ماهر والنقراشى ثم انسلاخ مكرم فقد حدثا والوفد فى الحكم.. أما الأول فقد شب فى اطار خلاف شخصى حول دائرة صناع القرار حول الرئيس ما بين مكرم من جهة وماهر النقراشي من جهة أخرى وكانت يد القصر هى اليد الخفية التى تسعى لهدم الوفد فى الحالتين.. خرج ماهر والنقراشى ليشكلا حزب السعديين أما مكرم فقد أسس الكتلة الوفدية.. وينضم الاثنان لأحزاب القصر وليشاركا بهمة فى إشاعة أجواء الاستبداد والفساد.
< المدهش أن تلك الانقسامات لم تنل أبدًا من الوفد وشعبيته أو تضعف مد قوته فقد كان فكرة فى ضمير الشعب يتجسد فيها كفاحه ونضاله لأجل الاستقلال وظل حركة سياسية لا تقيم وزنًا للتناقضات الطبقية والشخصية وتستمد قوتها من التصاقها بالناس وذلك تفسير يكاد يكون مقبولاً أو صحيحًا لتفسير طبيعة الانقسامات فيما قبل 52.
< عاد الوفد بعد 52 فى السبعينيات فى اطار قدرة مؤسس العودة الثانية سراج الدين على لملمة شتات الوفديين ودمج وإدارة الصراعات والتناقضات الشخصية وكذا فى اطار التراث والتاريخ الوطنى الذى مثله الوفد وفى ظل أوضاع شمولية بائسة استطاع الوفد أن يعود.. وكانت وفاة فؤاد سراج الدين اختبارًا لقدرة الوفد على تجاوز صراع السلطة ولاسيما أنه خارج الحكم وفى ظل حكم شمولى ألقى بظلاله على كافة مناحى العمل العام وفكرة الحزبية نفسها.. فكان الاختبار الحقيقى لقادة الوفد هو تدعيم قدرة الوفد على التواصل وأن يفتح أبوابه للجماهير فيكون صوتًا وصدى لها فى ظل هيمنة النظام الحديدى وإمكانات تيار الدين السياسى المادية الواسعة.
< خرج الوفد من أزمة يناير ـ أبريل 2006 بلائحة أكثر ديمقراطية ليدخل انتخابات رئاسية جديدة كان لها أكبر الأثر على الواقع السياسى فى حينه.. هبت رياح ثورة يناير وسيولة الأحداث المتوالية وأصبح الدور الحقيقى المنوط بالوفد هو تدعيم الحزبية وفكرة التداول والنضال السلمى والأبواب المفتوحة لحزب شعبى حقيقى مازالت الجماهير تبحث عنه.. ذلك الدور هو المواجهة الحقيقية لكافة مظاهر الصبيانية والاعتداءات المدعومة للإجهاز على حجر الزاوية الحقيقى للحزبية والديمقراطية.