كمال زاخر
المساواة والاحترام وبناء الضمير
فيما يتداول رواد موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» التهانى بعيد القيامة المجيد فيما يشبه التظاهرة، فى طوفان من المشاركات من المصريين المسلمين المحتشدة بمشاعر الحب والحميمية فى تحدٍّ سافر لكل أبواق الكراهية التى تتكرر كل عام تحرّم وتكفّر وتتوعّد من يقوم بتهنئة شركاء الوطن، التاريخ والمصير، إذا بى أتوقف أمام خبرة حياتية لصديق افتراضى، أحمد خالد ابن المنصورة، يحكى فيها تجربته تحت عنوان «تالتة تالت فصل المسيحيين» عندما انتقل من مدرسته الابتدائية «مدرسة الأمريكان» وكان من المتفوقين، إلى مدرسة إعدادية أميرية، لم يكن بها فصول خاصة بالمتفوقين، يحكى عن صدمته ليس فقط فى تغير المناخ التعليمى أو البيئى، وإنما لاكتشافه أن هناك فى كل صف دراسى فصلاً اسمه «فصل للمسيحيين»، وقد طلب أن ينتقل إليه ليكون بصحبة زملاء كانوا معه فى مدرسته الأولى، فالفصل يتم استكماله بطلبة مسلمين كان هو منهم، يحكى كيف استغرب مدرس يعرفه من طلبه هذا وكأنه ينتقل إلى عنبر مرض مُعدٍ، وكيف تآلف مع تلاميذ الفصل، وكيف وجد نفسه بينهم، لا فرق، مع مسلمى الفصل ومسيحييه، وكيف خرج منه بصداقات ما زالت محفورة فى ذاكرته، كانت هذه الخبرة فى مطلع ثمانينات القرن العشرين.
توقفت كثيراً أمام جملة يجتر فيها الكاتب «أحمد خالد» ابن المنصورة أحزانه فى مدرسته الجديدة تقول: «ولعل ذاكرتى لا يمكن أن تنسى (مس إلين) ناظرة المدرسة بمضربها العريض الذى تفرض به على الجميع قيم المساواة والاحترام وبناء الضمير، هذه القيم التى اهتزت بقسوة فى مدرسة ابن لقمان عندما تغيرت الأحوال، ، وذهبت إلى مدرسة، الحوار بين الطلاب يخدش الحياء العام، والغش عادة، والعنف سمة سائدة بين الجميع، ومعظم الأساتذة لا محل لهم من الاحترام».
هذه الثلاثية أطرحها على وزارة التربية والتعليم لتضعها شعاراً قابلاً للتطبيق إذا توفرت إرادتها للخروج من نفق الانهيار الذى طال العقول قبل الجدران، والمناخ قبل الأبنية الصماء «المساواة والاحترام وبناء الضمير» فهل من مجيب؟!.
طريقنا إلى التغيير يبدأ بالتعليم الجاد، وعلينا أن ندرك إن كنا جادين أن التغيير لا يحدث فجأة بعد تجريف لكثير من قيمنا الصحيحة بامتداد قرون، فالموروث ثقيل بثقل تاريخنا، وتحميل اللحظة فاتورة تاريخ أمر يحتاج مراجعة. ولن نخرج إلى النهار إلا باعترافنا أننا نعيش ازدواجيات ممتدة لا تنتهى.
وبغير أن نقرأ تاريخنا وننقله لأجيالنا كما هو بغير انتقائية، ونحلل أسباب كبواته، ونتوقف عن حديث ساذج عن زمن جميل كان، بينما أزمنتنا كانت حلقات من التشوه نحاول أن نجمّلها.
تعليم يملك أن يحرّك العقول نحو أسئلة مصيرية: هل، كمجتمع، نرضى بمدنية الدولة بغير مواربة، هل نملك شجاعة الإقرار بأننا عنصريون بدرجات؟ هل نملك التسليم بأننا نحصد منتج أنظمة تعليمية مهترئة وفاسدة لعقود طويلة؟
التغيير إرادة شعب، هل نريد؟ هل نفكر؟ هل نسعى؟ هل نقدر؟
عزيزى الصديق الافتراضى أحمد خالد سليم ابن المنصورة شكراً لمعايدتك الصادقة التى قد تحرّك من يصدّق أن التعليم هو باب التغيير.