التحرير
أحمد بان
مراجعات الإخوان والأسئلة المحظورة
فى عام 1964، كان سجناء الإخوان قد أمضوا فى السجون المصرية عشرة أعوام كاملة، فى أعقاب القبض على أعداد كبيرة منهم على خلفية محاولة اغتيال جمال عبد الناصر، تلك الجريمة التى طالما روّج الإخوان لكوْنِها كانت تمثيلية ومؤامرة حيكت بمعرفة المخابرات الأمريكية، فى سياق تلميع وصناعة شعبية زائفة لجمال عبد الناصر، الذى تصاعدت شعبيته بالفعل فى أعقاب نجاحه فى إدارة الصراع مع القوى الكبرى فى العالم وقتها، وجسّد الانتصار السياسى فى حرب السويس 1956 تدشينا لزعامته، التى بلغت الذروة فى عام 1964. تعافى الاقتصاد الوطنى عبر برنامج تنموى ضخم، عزز الصعود السياسى لزعامة الرجل، وهو ما فجّر -إلى جانب عوامل أخرى- مجموعة من الأسئلة داخل السجون المصرية ترددت بقوة وسط الإخوان، أستحضرها الآن، لأنها نفس الأسئلة المحظورة التى كانت قيادات الجماعة تخشاها، وهى التى تعودت على أن تسيطر على قواعدها باجترار أحاديث المحنة وتأبيدها فى وعيهم، وتصوير ما تعانيه الجماعة باعتباره ابتلاء لأهل الإيمان فى مواجهة أهل الكفر والنفاق، وهو ما يستلزم الصبر حتى تحين لحظة مناسبة للمواجهة، تحدد الظروف أدواتها بين وسائل فعل سياسى أو وسائل مفاصلة مادية مباشرة، تلك الأسئلة التى أنتجت بإجاباتها طريقا جديدا للجماعة، بين مَن طلَّقوا الجماعة دعوةً وسياسةً، ومَن طلَّقها دعوة فحسب محتفظا بشهية ممارسة السياسة عبر الأطر التى توفرت بعدها، سواء الاتحاد الاشتراكى أو حزب مصر وصولا حتى إلى الحزب الوطنى أو غيره من الأحزاب، ومَن تحوَّل مباشرة باتجاه العنف ليكون جزءًا من حركة الجهاد المسلح، التى تمظهرت تحت عناوين مختلفة الجهاد، مرة كأيمن الظواهرى أو الجماعة الإسلامية أو غيرها، فما هى تلك الأسئلة التى دارت داخل السجون وظلت قيادات الجماعة تخشاها وتتوجس من آثارها؟

كانت الأسئلة كالتالى:

عندما أخرج إلى الحياة الحرة، هل أبقى مع الإخوان أم أتركهم بعد كل ما جرى؟

هل أبقى مؤمنا بالفكرة وبالمشروع دون تنظيم؟ وهل من الممكن أن أعيش حياة التنظيم مرة أخرى، مع ما يستدعيه ذلك من الصدام مع الأنظمة المختلفة، وما يرتبط به ذلك من حياة الأهوال والتعذيب؟ هل أترك الفكرة والتنظيم؟ أم أترك التنظيم وأبقى مؤمنا بالفكرة حتى تتهيأ ظروف جديدة مختلفة؟ هل بإمكان الفكرة أن تبقى دون تنظيم يرعاها ويحفظ وجودها؟ هل يمكن أن يوجد تنظيم بلا تنظيم؟ هذا السؤال الذى يبدو ملغزًا، حيث قضت طريقة وإرادة التنظيم الصارم، الذى يستلزم طاعة بشر لبشر على ما يعترى البشر من قوة وضعف دون عصمة تعصم من الزلل أو الخطأ، لذا تساءل الإخوان عن طريقة فى التنظيم تتجاوز فكرة السمع والطاعة المطلقة على طريقة الجيوش التى ضيّقت دائرة الحوار الداخلى، فاختزلت الحوار فى حلقة ضيقة ضيعت بقراراتها الجماعة والوطن مرة تلو الأخرى، وهو ما استدعى السؤال التالى: هل أخطأ الإخوان المسلمون؟ وأين يكمن الخطأ فى الأفكار؟ أم السلوك السياسى أم فى الاثنين؟ هل لدى الإخوان بالفعل برنامج لحل مشكلات مصر؟ ألا يعبر صعود نجم عبد الناصر عن أنه ربما يكون على حق؟ هل كان التنظيم الخاص -وهى الميليشيا العسكرية التى أسسها حسن البنا والتى امتد عمرها فى جسد "مجموعة 65" فيما بعد- هل كان تشكيل هذ التنظيم خطأ من الأساس؟ هل بإمكان الجماعة أن تعيش دون تنظيم خاص يحميها من أعداء الدعوة فى الداخل والخارج؟ وهل بإمكان هذا التنظيم الخاص أن يبقى دون سلاح؟ وما أهميته؟ وما قدرته على الردع حينذاك؟ ماذا نفعل مع عبد الناصر؟

حاول أن تستبدل كلمة عبد الناصر فى كل الأسئلة السابقة، وتضع بدلا منها السيسى، ستكتشف أن الإخوان قابعون فى تلك المتاهة منذ خمسة عقود، بفعل قيادة قطبية أدخلتهم إليها لتحتفظ بسر قوتهم "السمع والطاعة"، التى زلزتها الأحداث التى مرت بها الجماعة ولم تعد تلك الأسئلة القديمة محظورة بل توالدت عنها أسئلة جديدة أكثر قوة وشجاعة، لأنها أضافت أخيرًا السؤال الأهم وهو مَن المسؤول عما وصلنا إليه؟

من قادنا إلى الحكم لعام ومن أخرجنا منه بنهاية نفس العام؟ أين يكمن الخلل؟ هل هو فى خلط فضاء العمل بين الدعوة والسياسة، الذى يجب الفصل بينهما ولم يكن ذلك مطروحا أبدا فى تاريخ الجماعة، التى قدمت نفسها لأعضائها وللعالم كهيئة إسلامية جامعة تنهض كدولة موازية.

الآن لأول مرة هناك من يردد بشجاعة حتمية فصل الدعوة عن السياسة وتحديد الأفق المناسب لحركة الجماعة، لأول مرة تعترف الجماعة بأنها أخطأت خطأها التاريخى حين جددت نخبة الحكم الذى ثارت عليه، عندما أطاحت بطنطاوى وعنان وفتحت الطريق لجيل جديد أشد طموحا وأكثر قوة وشكيمة، يعيد تكرار ما ثارعليه المصريون فى "يناير".
وإذا كان شفاء العىّ السؤال، فهل يشفى مزيد من الأسئلة عقل الجماعة العجوز فيتعافى مهتديًا إلى الإجابات الصحيحة التى ترسم للجميع طريق النجاة؟

هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف