حق الإنسان في الحياة وفي وجوده يرتبط بالحق في الأمن والسلام، وحقه في حياة كريمة يرتبط بالحق في التنمية مما يعني أن تحقيق كل من الأمن والتنمية هو أساس توفير حقوق الإنسان والبداية الصحيحة لحماية الإنسان، وجوده وكيانه وحقوقه وكرامته.
وحماية حقوق الإنسان ليست فكرة حديثة ولا هي ابتكارا غربيا. منذ عاش الإنسان علي الأرض وهناك صراع أو مواجهة بين الأطماع والأخلاق، بين الرغبة في التسلط والحاجة إلي الحرية. اعتبارات كثيرة ظهرت معها الأفكار والمباديء والتعاليم والوثائق التي تناولت ما يطلق عليه اليوم حقوق الإنسان. وبكل الاعتزاز يشهد التاريخ أن أجدادنا الفراعنة كانوا أول من اهتموا بالإنسان وحقوقه.. علي مر السنوات ظهرت وثائق تحوي المباديء التي تحتاجها الشعوب وتطالب بها، لا يتسع المقال إلا للإشارة إلي بعضها: منها شريعة حمورابي وقوانين سولون الإغريقي وأحكام أسوكا إمبراطور الهند، وبوذا وكونفيشوس وجاءت تعاليم العهد القديم والإنجيل والقرآن (وكلها ظهرت في منطقتنا ) تطالب بالحرية والمساواة والعدل والكرامة ثم جاءت الماجنا كارتا (لحقوق النبلاء) ووثيقة الحقوق الإنجليزية عام 1689...الخ
في العصر الحديث ظهرت المسئولية الدولية لقضية حقوق الإنسان وتولتها الأمم المتحدة في مسيرة طويلة نشير إلي خمس محطات منها:
سنة 1948صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (شاركت مصر في وضعه) يؤكد العلاقة المتبادلة بين حقوق الإنسان والسلام والتنمية ويبين الحقوق المطلوب احترامها من قبل الدول وتشمل جميع مجالات الحياة.
سنة 1994 صدر قرار الجمعية العامة الخاص بإنشاء وتنظيم المؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان وافقت عليه جميع الدول واصبح التزاماً عليها.
صدر قرار بإنشاء مجلس أمناء حقوق الإنسان للتعاون التقني لمعاونة الدول في دعم واحترام حقوق الإنسان.
سنة 2000 عندما قررت الأمم المتحدة أن يكون تقرير التنمية البشرية مخصصاً لقضية حقوق الإنسان كان تقييم الدول يرتبط بإستراتيجية شاملة وبمعايير متعددة من بينها نظام العدالة القضائية ومكانة المرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين ومراكز الحجز وحالة السجون ووجود مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان.
صدر علي مر السنين عدد كبير من الصكوك الدولية حول الحقوق التي تسعي الأمم المتحدة لاحترامها منها العهود الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والبرتوكولات الملحقة، والاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري، وإتفاقية القضاء علي أشكال التمييز ضد المرأة وإتفاقية الطفل واتفاقية بشأن حماية العمال المهاجرين وأسرهم وإتفاقية مناهضة التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
هذه الوثائق والقرارات وغيرها تضع الأسس السليمة للتعامل مع قضايا حقوق الإنسان وهي تعني ما يلي:
أولاً: هذه الصكوك تعتبر الدستور أو الإطار القانوني الذي يحدد الحقوق المطلوب التأكد من تطبيقها إلي جانب تطبيق القوانين الوطنية وعلي جميع الدول الالتزام بها.
ثانياً: تشمل هذه الحقوق جميع جوانب الحياة ولا تقتصر علي الاهتمام ببعضها دون غيرها ولا بفئة من المواطنين أكثر من غيرهم.
ثالثاً: تلتزم الحكومات بما جاء في هذه الصكوك وفي قوانينها الوطنية وليس بما هو وارد في قوانين دول أخري.
رابعاً: الدول مسئولة عن توفير هذه الحقوق أمام حكوماتها وأمام الأمم المتحدة وليس أمام حكومات الدول الأخري أو برلماناتها.هذه وتلك ليس لها توجيه اللوم أو النقد أو التهديد بقطع علاقات أو معونات وغير ذلك من أساليب لا تتصف بالنضج السياسي والمعرفة بالقواعد الدولية.
خامساً: إن المجالس الوطنية لحقوق الإنسان تراقب وتدعم وتقيم أحوال حقوق الإنسان، والجمعيات الأهلية الوطنية لها المشاركة بالرأي والبرامج داخل الوطن حسب قوانينه.
سادساً: الدولة مسئولة عن توفير جميع هذه الحقوق حسب خطة واضحة لتوفير السلام والأمن الاجتماعي والتنمية ويكون التقييم بصورة كاملة بحيث يشمل جميع الحقوق ليس بعضها آخذين في الاعتبار الظروف المختلفة لكل مجتمع.
رغم هذه الحقائق فإن الفكر الغربي في بعض الدول نجح في اختزال قضية حقوق الإنسان في إطار معاملة المتهمين والمنحرفين وأنصار الإثارة والفوضي الهدامة »غير الخلاقة« واستعمالها سياسياً للتدخل في شئون الدول الأخري بحجة نشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان لا تلتزم بالمباديء التي تقوم عليها الوثائق الدولية وتعطي نفسها حق محاسبة غيرها من الدول وتستخدمها استخداما سياسيا ليس إنسانيا من أجل بعض الحقوق لبعض الفئات.
لذلك وغيره أصبح علينا التنبيه إلي أن المطلوب هو حماية »حقوق« الإنسان وليس »عقوق« الإنسان وأن الفروق شاسعة بين »الحقوق« التي نطالب بها جميعاً و«العقوق« وهو ما يعاقب عليه القانون وأن المقصود هو حق الإنسان في حياة آمنة وحمايته من الانحراف وليس حماية حق الغير في الانحراف والإساءة إليه.
رغم ذلك فإن هناك من يتجاهلون الأسس والقواعد والأصول والمسئوليات التي تفرضها وثائق حقوق الإنسان التي اتفق عليها العالم وابتدعوا لأنفسهم أسلوباً مختلفاً يتفق مع إصرارهم علي استمرار السيطرة والتسلط والتمسك بأوهام التفوق. عملوا علي تطويع المباديء لتحقيق ما يناسبهم يطالبون الآخرين بما لا يلتزمون به. يتجاهلون مباديء المساواة بين الدول والشعوب وبين الحقوق وفئات المجتمع. اغتصبوا مسئوليات الأمم المتحدة والحكومات الوطنية ومؤسساتها وأعطوا أنفسهم صلاحيات لا تتضمنها المواثيق والاتفاقيات.
من يتابع ما يقال وينشر عن حقوق الإنسان في مصر يجد أنه ينصب أساساً علي معاملة الذين يخرقون القانون ويهددون الأمن القومي ، الذين يثيرون الشغب ويدعون للعنف بدعوي حرية التعبير، ومنهم من يتلقون مبالغ طائلة من الخارج لتنفيذ سياسات أعداء مصر. يهتمون بأحوال المحكوم عليهم في قضايا اغتيال القضاة والشرطة والجيش والمدنيين أكثر من اهتمامها بحقوق الضحايا والمواطنين الشرفاء.يتصيدون الأخطاء ويبالغون في تضخيمها. يبحثون عن الانتهاكات وهي كثيرة نعرفها ونرفضها ونحاول تصحيحها ويكون التركيز علي بعضها دون غيرها حسب ما لديهم من خطط وأهداف. أصبحت قضية «حقوق الإنسان» إحدى وسائلهم للتدخل وإثارة القلق ومع الأسف وجدوا في الداخل من يساعدهم ويحقق لهم اهدافهم ليس بالضرورة عن »خيانة« إنما عن جهل وتخلف.
باختصار يدعون لحقوق الإنسان بأسلوب لا يتفق مع أسس ومباديء حقوق الإنسان.