المصريون
جمال سلطان
سقوط الإعلام المصري في مأساة الشعب السوري
للدماء حرمة ، ولآلام الشعوب اعتبارها الإنساني والأخلاقي قبل أي اعتبار سياسي ، وهذه الحقيقة البسيطة هي ما تغيب عن صناعة الإعلام المصري هذه الأيام ، وقد وقعت في هذه "الحفرة" السيدة لميس الحديدي التي استضافت الممثلة السورية رغدة ، المتطرفة فاشيا والموالية للسفاح السوري بشار الأسد ، رغم أن لميس تعرف بوضوح موقفها وتعرف جيدا ما الذي يمكنها أن تقوله على الهواء مباشرة من القاهرة أمام ملايين العرب ، ومع ذلك سمحت لها بأن تتشفى في جثث الأطفال السوريين في حلب والدماء التي تلطخ وجوه النساء التي تم إخراجهن من تحت ركام المستشفى المهدم بفعل قصف طيران الأسد ، الذي لم يطلق طلقة واحدة منذ أتى للحكم ضد إسرائيل ، ولكنه استباح شعبه ومدنه بهجمات وحشية ، سمحت لميس لهذه "الشبيحة" أن تتشفى في أطفال حلب وجثثهم وتعتبرهم ليسوا من أهل حلب ولكنهم من أنصار المعارضة وبالتالي فهم يستحقون هذا الذي جرى لهم ، والذي شاهده العالم كله ، وباختصار يستحقون الذبح . ليست المرة الأولى التي تستضيف فيها قناة سي بي سي أنصار بشار الأسد ، ولكنها المرة الأولى التي ينشر فيها على الهواء مثل هذه الوحشية التي لا يمكن تفويتها بأي معيار أخلاقي أو إنساني ، وناهيك عن أن يكون هذا الكلام صادرا عن قناة فضائية محسوبة على "أبو ظبي" ، وتكراره يلقي بتساؤلات عديدة عن موقف الإمارات فعلا من الملف السوري برمته ، وهل صحيح أنها تتحالف مع السعودية في موقفها من السفاح بشار الأسد ، أم أن الموقف الحقيقي هو الموقف الذي يتم تسريبه من خلال الشاشات التابعة لها . أيضا ، تداولت صحف عديدة ومواقع التواصل الاجتماعي تصريحات كتبها الزميل أحمد السيد النجار ، القيادي الناصري ، ورئيس مجلس إدارة الأهرام ، يدافع فيها عن بشار الأسد ونظامه ويعتبر أنه يخوض معركة العرب ضد الإرهاب والتطرف ، ويعتبر أن ما حدث في حلب من تدمير للمستشفى على رؤوس الأطفال والنساء كان تأديبا وهزيمة للتطرف وأن المنظمات الإرهابية ـ حسب تصنيفه ـ شعرت بالهزيمة من ضربة "الجيش العربي السوري" فأعلنت صياحها على الضحايا ، هذا كلام بائس جدا وشديد الوحشية ، كما أنه محرج جدا للدولة المصرية ، بحكم منصب الرجل ، لأن العرب ينظرون إلى الأهرام تحديدا باعتبارها صوت الدولة المصرية ، وصحيح أنه لم ينشر هذا الكلام في الصحيفة ، ولكنه عبر عن رأيه وموقفه وانحيازه بوضوح عبر صفحة إعلامية موثقة باسمه ، وهو شخص في موقع المسئولية . المؤسف أن هذا الكلام الذي يقوله زميلنا النجار ستسمعه غالبا من أي قيادة ناصرية تقابلها ، فانحيازها إلى بشار ونظامه ، كما كان انحيازها إلى القذافي ونظامه ، وأما التفسير والتحليل لهذا الموقف المعادي لأبسط معاني الربيع العربي فهي خطب نمطية محفوظة عن المقاومة والممانعة والتي سقط قناعها بوضوح خلال سنوات الثورة السورية ، ولكن الذي يحيرك أن "القوميين العرب" يكونون أعلى الأصوات التي تدافع عن "احتلال إيران" للأرض العربية في سوريا ، وحصار "الفرس" للمدن العربية في سوريا وفرض الموت جوعا على "أطفال العرب" ونساء العرب ، ناهيك عن قصف المدن "العربية" وتسويتها بالتراب ورفع الأعلام الطائفية على ميادين كبريات المدن السورية ومساجدها ، هو منطق كئيب وبائس ، ولكنه الحقيقة مع الأسف ، ولو أننا نتحدث عن "القوميين الفرس" لكان الأمر مفهوما ومنطقيا ، ولكننا نتكلم عن "القوميين العرب" . كثير من مواقف القوميين العرب والناصريين التي نواجهها والاصطفاف السياسي مع الطغاة العرب ، يجعلنا نضع علامات استفهام كبيرة حول مدى الإيمان الحقيقي بالحرية وحق الشعوب في الديمقراطية والكرامة ، والتداول السلمي للسلطة ، طالما أن النظم العسكرية الفاسدة التي تحكم بالحديد والنار وأجهزة الاستخبارات وإرهاب الشعوب وسحق أي معارضة وملأ السجون والمعتقلات بعشرات الآلاف من "الساخطين" وممارسة أبشع ألوان التعذيب الوحشي على أجساد بريئة ، على النحو الذي شاهده العالم كله بصور موثقة خرجت من معتقلات بشار ، طالما أن هذه النظم هي "النموذج" الذي نقدسه وندافع عنه ونصطف معه ، فماذا أبقينا من شرف الحديث عن الحرية والكرامة والشفافية والعدالة والديمقراطية ووطن بلا معتقلات .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف