ظاهرة جديدة المت بالشعب المصري في السنوات الأخيرة. ألا وهي ادعاء الخبرة وامتلاك نواصي المعرفة.. فالناس كل الناس اصبحوا بين عشية وضحاها كلهم ساسة وخبراء.. وأصبح من الطبيعي أن تجد نفرا من العامة بجلسون القرفصاء علي قارعة الطريق أو بعد الانتهاء من أداء احدي الصلوات. وبدلا من التحدث في أمور تعود عليهم بثمر نافع تجدهم يتحدثون في أمور ربما عجز خبراء السياسة أن يضعوا لها حلولا وبكلمات عفوية بسيطة يدلي كل منهم بدلوه وان افتقدوا الي أدني المعلومات واقلها في القضية التي يتحدثون فيها.. نموذج ذلك ما حدث في الأيام الأخيرة وما أثير حول جزيرتي تيران وصنافير. خفت صوت أهل الاختصاص وتعالت أصوات لا ناقة لها ولا جمل بالقضية.. ولو سألت أحدهم أين تقع الجزيرتان لربما اخفق في الوقوف علي مكانهما.. أهل الرأي والمتخصصون وأساتذة التاريخ الحديث والقديم قالوا ما قال مالك في الخمر ومازال أنصاف المتعلمين والعوام هم المتصدرون للمشهد. بل وحشروا انوفهم في تقديم المبررات التي تثبت ملكيتها لنا أو العكس. وفتح الاعلام بأطيافه ومنطلقاته الأبواب علي مصارعها أمام هؤلاء للادلاء بدلوهم وتقديم المواعظ مما اصابنا جميعا بحالة من اللخبطة والاضطراب. كل الدول ترسخ لأهل التخصص ونحن علي النقيض ودون غيرنا من فتحنا الباب أمام النطيحة والمتردية وما أكل السبع.. والأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل امتد الي أمور الدين فقد أصبحت الفتاوي ضيعة لكل من هب ودب. وترك الحبل علي الغارب والثمرة حالة من الخلل أصابت كل مناحي الحياة. دولة لا تؤمن بالتخصص وأهل العلم لا يمكن أن تقوم من كبوتها. وقد علمنا الإسلام اللجوء الي أهلم العلم قال تعالي : "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" الانبياء. وسبب نزول هذه الآية ان مشركي مكة انكروا علي النبي صلي الله عليه وسلم ان يكون الله تعالي قد ارسل بشرا واهل الذكر هنا هم أهل الكتاب والأمم السابقة الذين بعث الله اليهم الرسل ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر في أصول الفقه ولهذا قال ابن عطية. وأهل الذكر عام في كل من يعزي إليه علم. فأهل الذكر هم أهل الاختصاص في كل فن. وقد سئل إمام الدعاة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي ردا علي أحد السفسطائيين مرض الجدل كم رغيفا في جوال الدقيق يا مولانا؟ فرد عليه اذن عليك بالخباز وسيجيبك بدقة. فالأمر لا يقف عند أمور الدين بل يمتد الي كل مناحي الحياة. وقد كان الإمام مالك وهو أعلم أهل زمانه يسئل في المسائل المتعددة فلا يجيب إلا علي القليل منها. وقد قيل في حقه لا يفتي ومالك في المدينة مع أنها كانت تعج بالعلماء. فما بالنا وقد اصبحنا جميعا خبراء في السياسة وفي القانون وفي التاريخ وفي الزراعة.. الخ وان افتقدنا أدني المعلومات التي تخول لنا الحديث في هذه القضايا.. فهل نعود الي ازماننا الوارفة عندما كان المتخصصون يتكلمون وتخرس ألسنة العوام.. هذا ما نرجوه؟؟