- أحدهم: ماء السبيل جف كما جف ماء الحياة فى عروق عم عباس!.
- مختار: لا لم يمت!.. عم عباس لا يموت!.. لقد مات الجميع وعاش هو!.
- أحدهم: عاش إلى حين يا أستاذ مختار!.
- مختار: إننى لم أرَه يوماً مريضاً!.. لقد كان يتحدث الآن معى!.
- أحدهم: لم يهزمه المرض وهزمه الزمن!.
- مختار: لا لم يمت!.. لقد ذهب. نعم!.. ذهب إليه.. إلى الفارس أحمد. لم يقتله الزمن، بل قتله الشوق. عندما لم يأتِ الفارس ذهب هو إليه!.
- أحدهم: أنت تهذى يا أستاذ مختار!.
- مختار: أنتم الذين تهذون!.. المشتاق يذهب والناسى لا يعود!. المشتاق يذهب والناسى لا يعود!. لا يعود!.
خيم الحزن على أهل السبيل لوفاة عم عباس. ساهم الجميع فى تكاليف جنازته. صلوا عليه فى الزاوية، ثم دفنوه فى مقابر الصدقة. لم يكن عم عباس صهراً أو نسباً لأحد فى السبيل لكنه كان قريباً إلى الصغير والكبير فيه. سار ناس كثيرون وراء جنازته. شعر الجميع بهزة. أحسوا أن ركناً من أركان السبيل قد انهار. اعتاد الجميع على وجوده على بوابته. كان يحفظ التاريخ جيداً. يرويه ويكرر روايته. أحس الناس أن تاريخ السبيل سقط بوفاة عم عباس. أصبح بلا حارس!.
لم يسِر مختار فى جنازته. ظل جالساً ينظر إلى الناس ولا يراهم.. غطت صورتها عليهم. يتكلمون ولا يسمعهم.. غطى صوتها عليهم. تجمد فى ثلاجة المكان والزمان. قبل أمل كان محنطاً فقط. وبعدها عاد محنطاً، ولكن فى ثلاجة!. ظل الناس أياماً حزانى على فقدان عم عباس. وبعد حين تناسوه. حزنوا عندما ذهب لأنهم كانوا معتادين على وجوده بينهم. ثم عادوا إلى حالتهم الطبيعية بعد أن اعتادوا عدم وجوده!. عاد عم حنفى ينادى على الفول، وعم أبوسيد ينادى على الذرة، والمسمط إلى حركته وزبائنه. وفهمى إلى مغامرته مع حنيفة!.
- فهمى: حنيفة سأصعد الآن إلى البيت، وعندما أطمئن إلى عدم وجود أحد من إخوتى سأشير إليك من الشرفة لتصعدى. سأفتح الباب وأكون فى انتظارك.
- حنيفة: فهمى إننى خائفة!.
- فهمى: لا تخافى!.. حاولى فقط ألا يراك أحد وأنت تصعدين.
- حنيفة: فهمى إن كل جزء فى جسدى يرتعد من الخوف. القلق يأكلنى!.
- فهمى: تشجعى!.
- حنيفة: هل أصعد إليه؟ ماذا لو رآنى أبى؟ ماذا لو رأتنى أمى؟.. ستكون مصيبة. ولكنى أريد الصعود. إننى أحبه وأريده كما يريدنى. إذا لم أفعل ذلك كيف سأقول له تزوجنى. لا بد أن أطيعه. إننى أطيع الناس جميعاً!.. فكيف لا أطيع فهمى الذى أحبه؟!. لن يتزوجنى إلا إذا أطعته. لا بد أن أقول له حاضر على ما يريد، خصوصاً أننى أيضاً أريد. إننى أقول حاضر لنفسى. ثم ماذا سيفعل معى؟!. إنه لن يضيعنى. فهمى ابن ناس. إنه يحبنى. لقد قال ذلك. وعموماً لن أخلع ملابسى.