يمكن توصيف ما قامت به جحافل وزارة الداخلية مساء أمس باقتحام حرم نقابة الصحفيين والقبض على الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا، بأنه هجمة مرتدة خاطفة -بحسب التعبير الكروي الشهير- ويمكن اعتبار "لَمّ" الصحفيين لأنفسهم فى مواجهة هذه الهجمة أنه استشعار سريع لخطرٍ قد يمتد أثرُه خلال الأيام المقبلة.
استغلت الداخلية خُلوَّ وسط الملعب من قوته الضاربة وهى نقابة الصحفيين وارتباك خط الدفاع الممثَّل فى مجلس النقابة والنقيب، فشنّت هجمتها، لكن الأمانة تقتضى منا النظر إلى أبعد من الأمس، لأن ما حدث هو تداعٍ منطقىٍّ ليوم 25 أبريل عندما تم القبض على أكثر من 45 صحفيا واقتيادهم إلى أقسام الشرطة فى محاولة بائسة ويائسة للتعتيم على ما جرى من احتجاج ورفض إزاءَ أزمة جزيرتى تيران وصنافير.
فى 25 أبريل صعّدت الشرطة ضد المهنة ممثَّلةً فى الصحفيين، فكان رد قلعة الحريات استجداء الضابط الفلانى أو المسئول العلانى للإفراج عن زملائنا، بدلا من مواجهة هذا التصعيد باتخاذ موقف حاسم يمنع تكرار ما جرى، وعدم الالتفات إلى الأحاديث الجانبية من نوعية أن مَن تم القبض عليهم لا يحملون كارنيه النقابة وليسوا أعضاء بها، أو أن الجماعة الصحفية على رأسها ريشة وفوق القانون، لأن الدفاع عن مثل هذا الكلام يجرُّنا إلى الوقوف فى منطقة الدفاع ولا يترك لنا فرصة تنظيم صفوفنا والوقوف في خندق واحد، ردًّا على الهجمة المرتدة.
هل المطالبة بإقالة وزير الداخلية مُجدية أو مُرضية؟ وهل اعتذار الوزارة كافٍ؟
إجابة السؤال فى مشهدٍ جمع بين رئيس تحرير صحيفة "بوسطن جلوب" ومحررى قسم التحقيقات فى فيلم "spot light" (الحائز على جائزة الأوسكار كأفضل فيلم هذا العام) عندما توصل الفريق إلى عدد من أسماء القساوسة المتهمين بالاعتداء الجنسى على الأطفال، حيث طلب الفريق البدء فى نشر التحقيق المطوَّل فكان رد رئيس التحرير:
"هذا ليس كافيًا، فالمطلوب هو هدم النظام الذى أدى إلى هذه الأفعال".
والمطلوب فى الحالة المصرية يكاد يكون متطابقًا، وهو تغيير العقيدة الراسخة لدى جهاز الشرطة الذى لا يحترم أى مهنة، ويرى أعضاؤه أنهم فوق الدستور والقانون وليسوا قائمين على تنفيذهما والبدء بأنفسهم.
لكن هناك عدة فوائد مما حدث، أهمها أن الأزمة كاشِفة لكل المتربصين بحرية الصحافة، وفاضِحة لكل المتآمرين على مستقبلها، ومربِكة لكل أصحاب الحلول الوسط.
هذه لحظة الحقيقة، فإما أن ندافع عن مستقبل مهنتنا وإما أن نكون مطيَّةً فلا تقوم لنا قائمةٌ أمام أنفسنا، ومِنْ ثَمَّ أمام القارئ.