الصباح
كمال الهلباوى
مفاهيم (1)
نقرأ فى القرآن الكريم قول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً). فما معنى: أمة وسطًا أو الأمة الوسط؟ وما المقصود بالشهادة على الناس ؟ كيف تشهد الأمة الإسلامية على الناس؟ وكيف ولماذا يكون الرسول شهيدا على الجميع؟
الحديث الشريف يفسر القرآن، وليس هناك من مفسر أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد جاءت الأحاديث الصحيحة فى تفسير هذه الآية، تبين أن المراد من قوله تعالى، كما يقول معظم العلماء والفقهاء والمفسرين: ( أمة وسطاً ) أى: عدلاً خياراً. وأن المراد من الشهادة على الناس هو: الشهادة على جميع الأمم يوم القيامة، وأن رسلهم الكرام قد بلغوهم رسالات الله تعالى. ولم تخرج كلمات معظم المفسرين عن ذلك المعنى.
جاء فى البخارى عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُدْعَى نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ أَوْ مَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ، قَالَ: فَيُقَالُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ. قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) قَالَ: الْوَسَطُ الْعَدْلُ) وزاد الامام أحمد فى ذلك: (قَالَ: فَيُدْعَوْنَ فَيَشْهَدُونَ لَهُ بِالْبَلاغِ، قَالَ: ثُمَّ أَشْهَدُ عَلَيْكُمْ) صلى الله عليه وسلم.
طبعًا قوم نوح إلا من رحم الله، كانوا من الكافرين برسالته إلا قليلًا، وهم الذين ظنوا أن الجبال أو الطبيعة كما يظن بعضهم اليوم، تحميهم من المطر الغزير، فما نفعت الجبال فى ذلك، ولا ينفع فى ذلك شىء فى الأرض ولا فى السماء إلا بإذن الله، إذ أن أمره إن أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون.
وروى الإمام أحمد وغيره عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلانِ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ: لا فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ قَوْمَكَ ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَيُدْعَى مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَ هَذَا قَوْمَهُ ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُقَالُ: وَمَا عِلْمُكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ: جَاءَنَا نَبِيُّنَا فَأَخْبَرَنَا أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) قَالَ: يَقُولُ: عَدْلًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) صححه الألبانى فى «السلسلة الصحيحة» (2448).
قالوا فى تفسير الآية: «فمعنى ذلك: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً أى عدولاً، وشهداء، لأنبيائى ورسلى على أممهم بالبلاغ، وأن أولئك الرسل والأنبياء قد بلّغوا ما أمرت ببلاغه من رسالاتى إلى تلك الأمم، وأن يكون رسولى محمد صلى الله عليه وسلم، شهيداً عليكم بإيمانكم به، وبما جاءكم به من عندى». وقالوا كذلك «والوسط فى هذه الآية الخيار والأجود، كما يقال: قريش أوسط العرب نسباً وداراً أى: خيارها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً فى قومه، أى أشرفهم نسباً، ومنه: الصلاة الوسطى التى هى أفضل الصلوات، وهى صلاة العصر، أو التى ليست بالطويلة ولا بالقصيرة كما ثبت فى المصادر الصحيحة.
أما معنى (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)، فقد قال العلماء: لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم، لأن الجميع آنئذ معترفون لكم بالفضل». ولن يكون هناك إنكار أو مظالم من أى نوع. والشهداء أقوالهم مقبولة لأنها وسطية لا تميل يمينًا ولا شمالًا ولا شرقًا ولا غربًا ولا جنوبًا. والله الموفق
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف