الصباح
سارة شريف
اليوم المثالى لإسرائيل فى الجولان
هذه الأيام هى الأيام المثالية لإسرائيل لتفعل ما تشاء، إنه الوقت المناسب لكل ما هو متطرف وغير قانونى لأن يصبح أمرًا واقعًا وربما شرعيًا أيضًا، قبل أيام استيقظ العالم العربى على مشهد سينمائى لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتينياهو وهو يجلس وسط حكومته اليمينية ليعلن أن الجولان أرض إسرائيلية إلى الأبد ويشرب كأسًا نخب الانتصار، منذ ذلك اليوم انهالت التهم نحو نتينياهو بأنه ساذج ويورط نفسه مع المجتمع الدولى الذى رفض ضم الجولان منذ قرابة 26 عامًا عندما أعلن مجلس الأمن الدولى أنه ملتزم بقراره رقم 497 الذى ينص على أن أى قرار تتخذه إسرائيل بفرض ولايتها القضائية وإدارتها فى مرتفعات الجولان لاغ وباطل وليس له أى أثر قانونى كان ذلك فى ديسمبر 1981، وكرر مجلس الأمن رفضه لفكرة الضم أيضًا الأسبوع الماضى.
الحقيقية أن «بيبى» ليس ساذجًا وليس هو الشخص محدود التفكير الذى يقدم على خطوة يعرف مسبقًا أنها لن تكتمل، والحقيقة أيضًا أنه الوقت المثالى لتضمن إسرائيل نصيبها من كعكة سوريا التى كثر الحديث عن تقسيمها فيدراليًا، فلماذا لا يهب رئيس اليهود ليضمن حقه فى الأرض التى وعدهم بها الرب؟ ويضمن حقه أيضًا فى الأرض التى من يسيطر عليها يمكنه السيطرة على إسرائيل بأكملها، فمن يقف على مرتفعات الجولان يمكنه أن يرى بتلسكوب متواضع مواطنى إسرائيل وهم يتشاجرون فى شوارع تل أبيب.
لماذا تترك إسرائيل الجولان، فلديها جملة أسباب مقنعة لبقائها فيها، فعلى سبيل المثال لو قرر الطرفان السورى والإسرائيلى التفاوض حول عودة الأرض مع من سيجلس نتينياهو، هل سيجلس مع بشار الأسد أو مع جبهة النصرة أم مع داعش أم مع ميليشيات الجيش السورى الحر أم مع حزب الله، هؤلاء جميعًا يقيمون مباريات على الجولان ويحرزون أهدافًا ضد بشار وضد بعضهم البعض، منذ بدأت المعارك فى سوريا، متوقعًا جدًا أن تستخرج تل أبيب من مستنقع الدماء فى سوريا اعترافًا بسيادتها على الجولان. فالحقيقة المخذلة أن صراع العرب معًا واشتعال المنطقة سيصدق مقولة «إيهود باراك» بأن إسرائيل هى فيلا فى الغابة يكفى أن نأخذ جولة فى المنتجعات السياحية فى الجولان لتتأكد من ذلك، فبعد أمتار قليلة يقتتل العرب هناك باسم الإسلام.
ليس هذا فقط، فإسرائيل تحتل الجولان فعليًا منذ خمسين عامًا، وكما هو معروف، كلما استمر الكذب وتواصل، صار كأنه حقيقة وهذه إحدى الخدع المتعارف عليها فى السياسة.
ففى الحرب العالمية الثانية احتل الاتحاد السوفيتى أربع جزر صغيرة، تسمى جزر الكوريل فى شمال اليابان ووقتها حاولت اليابان – المهزومة حينها- أن تعيد الجزر ووقتها أصرت روسيا على موقفها ومن الحجج الرائعة للاتحاد السوفياتى قالت «مر وقت طويل على الاحتلال». فالأراضى المحتلة لا تعود للطرف المهزوم وعودة سيناء خير دليل على ذلك.
كما أن العقيدة القتالية لإسرائيل تدعو إلى أن من بدأ بالهجوم أولًا بالتهديد أو التخويف، هو من يجنى المكاسب فى النهاية.
ما يؤكد صحة هذه الرؤية بأن إسرائيل تنتهز الظروف فقد يظهر بوضوح قبل خمس سنوات، فى صيف 2011، عندما فاجأ نتينياهو الأمريكيين والسوريين وقتما أعرب عن استعداد مبدئى فى محادثات أجراها مع «دنيس روس»، للانسحاب إلى شاطئ بحيرة طبريا إذا وافق الأسد على جملة شروط، كان من بينها الانفصال عن إيران وحزب الله وعقد اتفاق سلام والتطبيع مع إسرائيل، يومها الدبلوماسى الأميركى «فردريك هوف» هو من وثّق تلك المحادثات والتى أخفاها نتينياهو عن كثيرين فى الحكومة الإسرائيلية، فذهب بيبى بصحبة طاقم أمنى سياسى من وزارة الدفاع تحت قيادة العميد «مايك هيرتسوغ» وبعدها بفترة قصيرة كشفت المفاوضات صحيفة «يديعوت أحرونوت» وأكدت أن نتينياهو وافق على الانسحاب مقابل اتفاق سلام مع سوريا وأقرت الناطقة بلسان وزارة الخارجية الأمريكية وهرتسوغ أيضاً حدوث المفاوضات التى حاول ديوان رئيس الحكومة إخفاءها.
وبعد أن رفض بشار السلام ادعى نتينياهو أن ما تم كان مجرد مبادرة أمريكية اقترحت لكن إسرائيل لم تستجب لها فى أى مرحلة، وادعى أيضًا أن المفاوضات توقفت بسبب اضطرابات سوريا وليس بسبب تعنت بشار.
ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن نتينياهو أجرى مرتين مفاوضات مع حافظ الأسد، بشأن انسحاب إسرائيلى من الجولان مقابل سلام.
لا أحد داخل الكنيست أو حتى الموساد يعلم متى قال نتينياهو الحقيقة، هل عندما أقسم يمين الولاء للجولان، أو قبل خمسة أعوام عندما وافق على إعادة الجولان إلى السوريين مقابل تطبيع ولكن يبدو أن حقائق نتينياهو تتغير بتغير الظروف والأحداث.
فبيبى أيضا هو من رفع شعار داخل غرف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بأن الجولان بلا سلام أفضل من سلام بلا جولان، وهو الشعار الذى رفعه قبله موشيه ديان عن شرم الشيخ قبل حرب أكتوبر.
الأطرف من ذلك أن بنيامين نتنياهو قبل عشرين سنة كان يعارض المحادثات التى أدارها إسحق رابين وشيمون بيريس مع دمشق، ثم تصرف مثلهم عندما تربع على عرش حكومة تل أبيب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف