المساء
محمد جبريل
ع البحري- تاريخنا .. ووثائق الحكومة
في توصيات المؤتمر السنوي السادس عشر للجمعية التاريخية. مطالبة بسرعة إصدار قانون الوثائق. وبدء جمع الوثائق الموزعة في أروقة ومخازن أجهزة الحكومة لإيداعها دار الوثائق وفهرستها وأرشفتها.
الوصول إلي الحقيقة التاريخية أمر غاية في الصعوبة. مقابل لعمليات التزييف واخفاء الوثائق وتقديم الوثائق المزورة والتحيز والخضوع للمؤثرات الحزبية والطائفية والشخصية. ذلك أن البعض يتصور التاريخ ـ لأنه قد أصبح تاريخاً ـ أرضا مستباحة. يمكنه أن يمرح فيها كما يشاء. مقدما ما شاء من افتراضات أو استنتاجات. أو بالدقة ما شاء من افتراءات. مستخدما عصا المدرس تارة. وصفارة الحكم تارة أخري. ضد أناس طواهم الزمن. ولم يعد بامكان أيمنهم أن "يؤلف" الحقيقة التي يريدها. باقتناص نص من هنا. وقصة من هناك. ويتجاهل كل مالا ينسجم مع هواه. مكونا من هذه القصاصات المختزنة "الحقيقة" التي يريدها. أو التي يزعمها. لكن الحقيقة لا تكون كذلك إلا اذا قدمت كاملة. وفي اطارها الموضوعي ينطبق ذلك علي التاريخ. وعلي غيره من العلوم الاجتماعية. كما انه ينطبق علي كل مجال ينبغي فيه البحث عن الحقيقة مع ذلك ـ أو بسببه ـ فإن جهد الدارس مطلوب في الغربلة والنقاش والتحليل. والتنبه الي صدق الوثيقة من عدمه. والتعرف إلي مكان الحدث. وسماع الرواية الحية. والالتزام بحياد صارم. يعانق الحقيقة في اطلاقها.
دور الدولة هو توفير الوثائق اللازمة لعملية كتابة التاريخ. ذلك ما تنهض به فعلا حكومات الغرب عندما تيسر للباحثين فرص الاطلاع علي الوثائق الرسمية والمذكرات الشخصية بعد انقضاء فترة معينة الحصول علي الوثائق غاية في الصعوبة بالنسبة للأفراد ـ من ناحية التمويل المادي في الأقل ـ وهنا يأتي دور الحكومة لتمويل توفير تلك الوثائق في أيدي الباحثين. كذلك فإن الدولة هي التي تمتلك ـ في الأغلب ـ ما يطلبه رواة السير الذاتية. أو ورثتهم مقابلا لرواياتهم عن الفترات التي أسهموا في صياغة أحداثها.
لعلي أضيف إلي مسئولية الدولة في عملية تسجيل الأحداث سواء بالسرد الوقائعي أو التحليل. اصدار الكتب الزرقاء والبيضاء التي تضم ما يباح اذاعته من الوثائق. بحيث تصبح مصادر أساسية في خدمة الباحثين. وحتي لا تغيب الوقائع الحقيقية بدعوي الاجتهاد.
نشر الوثائق الأصلية هو الجهد الأهم الذي يجب أن نعني به. حتي تصبح مرجعاً أساسياً لكل محاولات التاريخ. بل انها تصبح حينئذ شاهداً علي كل محاولة للخطأ المتعمد. أو التشويه.
لذلك. فإن اسهام الدولة ـ متمثلة في مؤسساتها المعنية ـ يجب أن يتجه أساساً إلي جمع وفهرسة وتنظيم كل ما يتاح العثور عليه من الوثائق. بحيث تكون هو الأرضية العلمية التي لابد منها لأي محاولات تناقش تاريخنا المعاصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف