الأخبار
محمد السيد عيد
السيد العدمي والانتحار القومي - لقد غرسنا في المصريين أصعب داء، وهو الشك في كل الأشياء
قال المؤرخ العبقري، الأستاذ الفللي، في كتابه « الزمان الترللي «، في الفصل المعنون بـ « غزو الهكسوس لمصر وكيف حققوا النصر « : إن الكثيرين يفسرون هزيمة المصريين في الغزوة الهكسوسية بأنه ناتج عن استخدام الغزاة للعربة الحربية، لأن هذا السلاح لم تعرفه من قبل القوات المصرية، لكن هذا تفسير ظاهري، لا يكشف عن السبب الجوهري، وقد وجدت الأسباب الحقيقية، في رسالة سرية، مكتوبة علي بردية، كتبها كبير بصاصي الهكسوس، واسمه : العدمي المنجوس، وقال فيها كلاماً خطيراً يستحق منا تأملاً وتفكيراً.
قال كبير البصاصين : اعلم أنهم سموني العدمي لأني وضعت نظرية أسميتها « النظرية العدمية في كيفية إسقاط الدول المعادية قبل أن تبدأ المعارك العسكرية «، وملخصها أن نبث اليأس في نفوس أهل هذه الدول، باستخدام رجال من أهلها ليعملوا بلا ملل، لبث اليأس في نفوس المواطنين، والتشكيك في كل المسئولين، وفي كل قول أو عمل، يسير أو جلل.
وأكمل البصاص الأعظم كلماته : من أركان نظريتي المبتكرة، الجديدة المعتبرة، الاستعانة في نشر السواد، في نفوس العباد، بنخبة من المثقفين الشداد، نختارهم ممن يتصفون بالمثالية، ونبرز لهم عيوب الممارسات اليومية، ونضخم لهم قصص الفساد وأخبار الحرامية، فيصرخون منددين بالعيوب والأخطاء، ظانين أنهم يحددون الداء، وأن هذا هو سبيل للشفاء، غير مدركين أن كل المجتمعات فيها ما يكفيها من الأدواء، وأن ما يقومون به من مبالغات متعمدة، هو السبيل لنشر العدمية المتشددة، حتي تسوَد الدنيا في عيون الناس، وينتشر بينهم الشك والياس، وينهزمون من داخلهم، قبل أن نسير إليهم أو ننازلهم. فإذا وصلت جيوشنا إليهم، وجدو بلادهم ثمرة دانية، فقطفوها في ثانية.
ومما قاله المنجوس، كبير بصاصي الهكسوس، في كلامه المدون علي البردية، مسجلاً وقائع الحرب النفسية علي الأمة المصرية : لقد غرسنا في المصريين أصعب داء، وهو الشك في كل الأشياء، فإذا ذكر أحدهم الحكومة القائمة، قالوا له : هي حكومة ظالمة، عاتية غاشمة، تسعي لتمييز الأغنياء، وتلقي العبء علي الفقراء، ولا تحقق العدالة الاجتماعية، لأنها منحازة طبقية. وإذا قلت أمامهم : إن الحاكم رجل رائع، قالوا : بل عميل بائع، يبيع الوطن لكل دافع. وإذا ذكرت لهم زعماء الشعب ونواب الأمة، قالوا إنهم خونة، وشككوا فيهم بهمة، واتهموهم بفساد الذمة. وإذا قلت لهم : إن المستقبل يحمل بشائر الخير، وستجود الأرض المصرية بالكثير، صاحوا : بل سيسرق اللصوص كل ما تجود به الأرض، ولن يتوانوا حتي عن بيع العرض. فإذا ذكرت لهم جيش البلاد المسئول عن الدفاع والحراسة، هاجموه بكل شراسة، وقالوا : يسقط حكم العسكر، وأكدوا أن كل ما يتعلق بالجيش أمره منكر. ومما استفدنا منه في خطتنا الجهنمية : أخطاء الشرطة المصرية، فقد قمنا برصد أخطائها، وكبرناها، وعظمناها، حتي صار الناس لا حديث لهم سوي الممارسات القمعية، والحديث عن الدولة البوليسية.
وفي النهاية يعلق الأستاذ الفللي علي ما جاء في بردية كبير بصاصي الهكسوس : بعد أن انتشر الياس، وسادت العدمية بين الناس، وصار الشك في كل شيء هو القاعدة، صارت طريق الهكسوس لمصر ممهدة، فحشدوا الحشود، وقصدوا البلاد، وهم علي يقين من الانتصار، وأن المصريين لابد لهم من الانكسار. وإذا كان لي أن أنصح أهل المحروسة، فإني أنصحهم بالحذر من النظرية العدمية المنجوسة، في شراء ذمم الأنذال، ممن يبيعون أوطانهم بالمال، ويقومون بالتشكيك بلا هوادة، في الحكام والقادة، ومستقبل البلاد، وقدرة العباد، كذا لابد أن ينتبه المثاليون حتي لا يكونوا أداة لتحقيق نظرية العدو العدمي في الانتحار القومي
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف