الشيخ صالح كامل
كوامل -رؤية ملك ومستقبل شعب
عادةً ما يحوز الشأن الداخلي لأي بلدٍ علي اهتمام أهل هذا البلد أنفسهم.. ربما لأنه داخلي، وربما لأن البعض يتحفظ علي الإدلاء بدلوه في بئر الآخرين.
وقد يكون هذا صحيحاً إذا كان البلد بلداً من البلدان.. ولكن رؤية المملكة 2030، منذ أن باركها وأقرَّها خادم الحرمين الشريفين الملك المحبوب سلمان بن عبد العزيز.. عبر خطابه في مجلس الوزراء للأمة مؤكداً علي أنها رؤية ملك ومستقبل شعب وأملُ أمة..
والأمة كلها عربية ودولية.. وفي أعقاب اللقاء التليفزيوني مع سمو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد - رئيس مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، والذي تصب فيه كل التقارير الإقتصادية والإجتماعية ـ في أعقابه مباشرةً تحول الموضوع لما كان يحتويه من خير وبُشريات وآمال، إلي شأن عربي بامتياز، فالمملكة العربية السعودية قبلة المسلمين وبلاد الحرمين الشريفين، ليس فقط لهذا - ولكن لأن الرؤية أرادت بعون الله أن تكون المملكة بحق وصدق وبتخطيط مقصود وبذراعٍ ممدود بلداً للناس أجمعين.. تحقيقاً لمشيئة الله التي جاءت دعاءً علي لسان خليله أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام : ( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) إبراهيم - الآية 37.
ولهذا جاء هذا التفاعل العربي والإسلامي مع رؤية السعودية 2030 متماشياً مع كون المملكة هي العمق العربي والإسلامي للأمة كلها. وكم كان رائعاً الأمير محمد بن سلمان حين أشار إلي أن مرتكزات رؤيتنا تعتمد علي مواقع قوتنا.
وفي الحقيقة فالرؤية في مجملها رؤية جليلة أسأل الله أن تتحقق كيما تنقُلُنا إلي المكانة التي نحلم بها. والتي نحن إن شاء الله نستحقها أرضاً وبشراً، ونالت بحمد الله إعجاب الناس وأنا واحدٌ منهم. وقد جاء هذا واضحاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الذي صار اليوم المقياس الأسرع والأشمل للرأي دون حاجة إلي الإستقطابات والاستفتاءات. ولا أدلَّ علي ذلك من نجاح هاشتاق * «التحول الوطني 2030» في تصدر قائمة الهاشتاقات الأكثر تداولاً عالمياً ليومين علي التوالي. بعدما أعلن الأمير محمد بن سلمان يحفظه الله : « أن الرؤية خارطة طريق لتحقيق أهداف المملكة في التنمية الاقتصادية خلال الخمس عشرة سنة القادمة.. وهي رؤية ترمي إلي تجهيز المملكة لمرحلة ما بعد النفط».
هذه الرؤية التي غرد لها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قائلاً : « وجدت فيها رؤية مستنيرة وشجاعة سيكون لها أكبر الأثر في تطوير وتنمية المملكة العربية السعودية.»
ولعل أهمها - رغم أهمية كل ما ورد فيها - ما جاء حول الشفافية والحوكمة. وحين تتحقق الشفافية والحوكمة في مسألة أرامكو وتصبح هي وكل أملاك الدولة في صندوق الاستثمارات العامة وفي شكل شركات لها مجالس إدارات وتصويت ومتابعات.. نكون بحول الله قد قضينا علي ما يحدث من هدرٍ للمواد والموارد قد تذهب إلي من لا يستحقها ولا تصل للمستحقين. وعندها ستدخل أراضي الدولة صندوق الاستثمارات العامة، بحيث لا تعود عرضةً للنهب بوضع اليد أو بخلافه فقد اصبحت أملاكا لها صاحب، وهذا أمر في غاية الشفافية والعدل والإنصاف.
ومن المبشر جداً أن الأمير محمد بن سلمان، قد أعلن نفسَهُ حرباً لا هوادة فيها مع الفساد، مؤكداً أنه مع الشريحة الأكبر من محدودي الدخل..وحين سُئِل يرعاه الله عن الفئة الأخري وهي الأعلي.. قال : إذا لم يقبلوا فسيصطدمون بالشارع. وهي عبارة مدروسة قيلت بثقةٍ بالغة وأرسلت إشارات واضحة لكلتا الفئتين. ولقد أجاد معالي وزير خارجية البحرين حين غرّد قائلاً : « إن الرؤية وضعت نقاط اليوم علي حروف المستقبل.»
الشفافية والحوكمة، هي بلا شك الأسلحة المضادة للفساد والمصل الواقي منه بعون الله.. وحينما يستشري الفساد وتبدأ الرغبة الصادقة في محاربته لاجتثاثه، فالأمر بلا شك يحتاج إلي تفعيل ورشٍ صريحة لعصف ذهني يؤسس لمبادئ الشفافية والحوكمة بشكل مباشر وفعّال.. ويحتاج أيضاًإلي تسمية الأشياء بأسمائها دون وجل أو تردد. فمن غير المعقول أن يكون لدينا في الحكومة موظف راتبه في حدود الخمسة آلاف ريال، وهو في موقع تمرُّ من خلاله الملايين دون أن يسيل له لعاب أو تراوده نفسه، ومن النفوسِ نفسٌ أمارةٌ..
إذاً ومن حسن الشفافية وتمام الحوكمة أن نجد أسلوباً تدار به مثل هذه الوظيفة عبر التحوّل إلي نظام الشركات والحوافز المشجعة والمقنعة.. وقايةً وحمايةً للاقتصاد ولكل عامل به.. بحيث يُصبح كل شئ يتعلق بالاقتصاد والخدمات، يعامل كشركات وليس برواتب مقطوعة، نعلم جميعاً أنها لا تكفي متطلباته ولاتفي بحاجاته.. خاصةً من فئة الشباب. وربما تكون هذه النقطة قد لامستها تغريدةٌ لسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين أكد : « إنها رؤية أشعرته بالفرح والتفاؤل. والفرح، فرحٌ بمستقبل جديد لمنطقتنا، وتفاؤل بتجديد حضاري لأمتنا، نحو الاستغلال الأمثل لطاقاتها ومواردها وشبابها.»
نعم لقد كانت الرؤية مليئة بالاستغلال الأمثل لطاقاتنا ومواردنا وشبابنا، وهذا مرتكز قوتنا..
قال الأمير باندهاش : « هل يُعقل ونحن في بلاد الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين وعندنا المدينة المنورة وليس لدينا متحف إسلامي !! « وهنا وكأنه وفقه الله يشير إلي السياحة بشكل مباشر.. السياحة التي تدخل في نطاق العبادة التي وردت في كتاب الله الكريم في سورة التحريم آيه 5 : (عَسَي رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) وقيل أيضا، (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ) سورة التوبة الآية 112،.. وأصل السائح : الذاهب في الأرض للتفكر في خلق الله.
ونحمد الله أن السياحة الدينية والعلمية ليست بها شهوات ولا هم يحزنون، بل تذكّر وتفكّر وأجر وثواب وعلم ومعرفة.. وليس فيها تمجيد لأشخاص أو مغالاة في تخليدهم..
ولقد تحدث الأمير محمد بن سلمان عن أننا لم نكتب تاريخنا جيداً، وتاريخ هذه الأرض، لايبدأ فقط - مع عظم القدر والمنزلة - من نحو ألف وأربعمائة عام - بل نحن في الجزيرة العربية موطن العروبة ومهدُ التاريخ منذ آلاف السنين.. نعم، ولنقل منذ أول بيتٍ وُضِع للناس للذي ببكة مباركاً.. ونحن والحمد لله نؤمن بكل آيةٍ بل بكل كلمة وحرف ورد في كتاب الله الكريم.. إذاً فبلدنا هو مهد الحضارة الإنسانية. وبلادنا تزخر علي مدي مساحتها الشاسعة بمئات المواطن والمواقع التي تجعلنا في مقدمة دول العالم سياحياً. ويعلم الله كم ستوفر هذه السياحة من فرص عمل وكم ستدر من مداخيل، تؤكد رؤية السعودية 2030.