المصريون
جمال سلطان
غياب الرئاسة واضطراب الداخلية عقد أزمة الصحفيين
الارتباك والاضطراب هما سيدا المشهد السياسي والأمني خلال هذا الأسبوع ، وتحديدا فيما يخص بواقعة الاعتداء الأمني على نقابة الصحفيين واقتحامها للقبض على اثنين من الصحفيين المعتصمين بداخلها ، بالمخالفة للقانون وأيضا بالمخالفة لعرف سياسي راسخ يحكم علاقة السلطة بالصحافة منذ نشأة نقابة الصحفيين ، وقد بدا الارتباك واضحا في ما حدث من وزارة الداخلية أمس ، حيث تم تسريب وثيقة سرية من داخل الوزارة تحتوي على مخطط للداخلية للتصدي لغضب الصحفيين ومحاولة تشويههم في تلك الأزمة والعمل بكل سبيل على أن لا يحدث أي تراجع في موقف الداخلية لأن التراجع يعني أن ثمة خطأ وبالتالي لا بد من تجهيز المخطئ وتحميله المسئولية ، حسب نص المخطط ، وتشير الوثيقة إلى ترتيب الوزارة مع بعض "الخبراء الأمنيين" للظهور عبر فضائيات ، يتم التنسيق معها حسب نص الخطة ، للدفاع عن الداخلية وتشويه نقابة الصحفيين . الوثيقة وصلت عبر البريد الالكتروني لعدد كبير من الصحفيين بعد منتصف الليل ، ووصل مراسلنا نسخة منها ، وكانت المفاجأة أن الوزارة ـ بعد انتشارها والضجة التي صاحبتها ـ لم تنف صحتها ولكنها اكتفت بالقول أن مشكلة حدثت في البريد الالكتروني للوزارة حيث تم اختراقه ، وبالتالي قررت الوزارة إلغاء البريد السابق وإنشاء بريد الكتروني جديد بباسوورد جديد ، وهنا يصح استدعاء المثل الشعبي الشهير : "جه يكحلها عماها" ، لأن الداخلية أرادت أن تخفف من صدمة تسريب هذه الوثيقة/الخطة ، فوقعت في مصيبة أكبر ، معترفة بأن جهة ما أو شخصا ما نجح في اختراق البريد الالكتروني للوزارة والسيطرة عليه ، وهذا يعني أن أسرار الوزارة "تبعثرت" وأن الوزارة المسئولة عن "السيطرة" والتي تملك إدارة كاملة خاصة بجرائم النشر يتم التلاعب ببريدها الالكتروني ، وهذا أدعى من سابقه أن يتم التحقيق مع الجميع وتقديم المخطئ للمحاكمة فضلا عن عزله عن الوزارة لأنه أثبت أنه غير كفؤ للقيام بمهام وظيفته عالية الحساسية . ما حدث من الداخلية حدث ما يشبهه من رئاسة الجمهورية ، والتي ما زالت غائبة حتى اللحظة عن المشهد تماما وتكتفي بتسريبات للصحفيين المقربين منها ، وقد قالت في البداية أن ما حدث من اقتحام لنقابة الصحفيين واعتقال اثنين بداخلها ، لم يكن بعلم الرئاسة ولا بقرار منها ، وأنها فوجئت بما حدث ، وهذه ـ بطبيعة الحال ـ مصيبة أعظم من الحدث ذاته ، لأن اقتحام نقابة الصحفيين بهذه الصورة هو إجراء لا يمكن أن يقدم عليه مسئول عادي ، وأعلى ضابط في وزارة الداخلية لا يملك الجرأة على اتخاذ هذا القرار من رأسه ، وإنما يحتاج إلى غطاء سياسي ، حده الأدنى قرار وزير ، فإذا كان الأمن يتصرف في ملف عالي الحساسية وتكاليفه السياسية باهظة على النظام داخليا وخارجيا بدون علم الرئاسة وبدون أن يهتم بإبلاغها ، فهذا يعني الاستهانة الشديدة بموقع الرئاسة وقيمتها ودورها وهيبتها ، وهو استهتار وصل إلى حد قال البعض أن من فعل ذلك أراد "خوزقة" الرئاسة في صدام اعتباطي ومجاني مع الجماعة الصحفية ، بحيث يخسر السيسي ما بقي له من دعم إعلامي بسرعة مثيرة ، كما أن توابع الواقعة حملت الرئاسة "هوانا" أكثر ، لأن الداخلية واصلت حصار النقابة والشوارع المؤدية لها على فترات ، كما وصلت "شحنات" من الشبيحة والبلطجية والنساء المحترفات للتشبيح إلى الشارع أمام النقابة مباشرة واعتداؤهم الذي تم تصويره على الصحفيين المعتصمين في نقابتهم ، وهذا يعطي الانطباع ـ بداهة ـ على أن الحملة على نقابة الصحفيين وإهانتها إما أنها تتم بعلم الرئاسة وبالتنسيق معها ، وإما أنها فعل أجهزة تعتبر الرئاسة غير موجودة أو لم تعد تمثل أي مرجعية مهمة للقرار السياسي والأمني عالي الحساسية . الخطأ في الاعتداء على النقابة كان سهلا احتواؤه وحله فور وقوعه ، ولكنه تضخم مع الوقت بسبب سوء إدارة الأزمة ، وغياب الرئيس حتى ولو بتصريح عابر ، ولأن المزيج من العناد والارتباك وضعف الإحساس بالمسئولية في إدارة الشأن السياسي للدولة يراكم المزيد من الأخطاء ويعقد الأمور ، ويجعل الحل مع الوقت أكثر صعوبة إلا بثمن كبير ، وقد توالت إعلانات ومواقف التضامن مع نقابة الصحفيين داخليا ، من قبل النقابات الكبرى والرموز السياسية والأحزاب ، ودوليا من خلال المؤسسات الكبرى ، بما فيها الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي ، والمؤكد أن احتشاد الجمعية العمومية التي دعت لها النقابة غدا الأربعاء ، والقرارات التصعيدية المنتظرة فيها ، سيكون له ما بعده .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف