الجمهورية
صلاح عطية
جرائم لا ينساها التاريخ
تاريخ مصر القديم والوسيط والحديث مليء بجرائم حدثت علي أرض مصر.. لم يغفلها التاريخ.. بل أصبحت علامات بارزة في مسار هذا التاريخ.
ارجع إلي التاريخ القديم وأذكر مصرع كليوباترا انتحاراً أو هرباً من مصير توقعته فآثرت الانسحاب من الحياة كلها.. وأذكر كيف كانت العاقبة؟ ودع التاريخ القديم إلي القرن الثامن عشر وأذكر اقتحام جنود نابليون لساحة الجامع الأزهر بخيولهم وعتادهم وأحذيتهم وتدنيس هذا المكان المقدس بروث خيولهم وبقايا إقامتهم.. هل نسي التاريخ هذا.
وأقفز مرة أخري إلي مذبحة المماليك في القلعة.. وأذكر كل ما ساقه هؤلاء وهؤلاء من مبررات تبريراً للجريمة.. ولكن الجريمة بقيت هي الجريمة مهما قيل في تبريرها.
ثم تعال إلي العصر الحديث واغتيال بطرس غالي رئيس وزراء مصر.. ثم اغتيال أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء في البهو الفرعوني في برلمان مصر.. ومن بعده اغتيال القاضي الخازندار أمام منزله في حلوان.. ثم اغتيال محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء ووزير الداخلية أمام مصعد وزارة الداخلية الحالية التي أخلتها الوزارة منذ أيام بانتقالها إلي القاهرة الجديدة.. ثم اغتيال حسن البنا وتركه ينزف حتي مات.. وبين هذا وذاك جرائم لا ينساها التاريخ أيضاً.. بين فتح كوبري عباس ليغرق الطلبة المتظاهرون في نيل مصر.. واغتيال حكمدار اللواء سليم زكي.. وجرائم التعذيب عبر السجون.. وانتهاك الأعراض.. يكفي أن نشير إلي العسكري الأسود.. والسجن الحربي وسجانه حمزة البسيوني الذي مات فيه شقيقه لا تكفي لتكفير ما ارتكبه من ذنوب.
مئات الأحداث والحوادث التي ذهبت وذهب أصحابها.. ولكنها بقيت شاهداً في التاريخ.. الذي لا ينسي ولا يغفر..
كل هذا قفز إلي ذهني أمس وأنا أكتب هذه الكلمات صباح الاثنين الماضي وأنا استمع إلي إنباء اقتحام نقابة الصحفيين.. كما يرويها نقيب الصحفيين. ودخول النقابة بإرشاد أمنها كما ترويها الداخلية.. والأمر في النهاية لا يخرج عن كونه انتهاكاً صارخاً للقانون. مهما تمسكت الداخلية بأنها تحمل إذناً من النيابة.. وانها لم تفتش المبني.. بل قادها إلي "المجرمين" أمن المبني.. هو في النهاية لا يخرج عن تفتيش بحثاً عن ما تريد الداخلية القبض عليه.. وهو ما يمنعه القانون الخاص بنقابة الصحفيين في مادته السبعين. إلا بإذن من النائب العام وبإخطار النقيب وفي وجوده.. وكل هذا لم يحدث.
هنا نسأل هل يجوز إعمال القانون بخرق القانون؟
طرفان يلامان في هذه الأزمة.. الطرف الذي سمح لمطلوبين أن يحتميا بالنقابة.. والطرف الذي لم ينتظر حتي تنتهي اتصالات النقيب لتسليمهما.. وانتهز فرصة يوم إجازة لاقتحام المبني.. وتنفيذ القانون بخرق القانون.
ومهما قال بيان الداخلية إن المتهمين جاءا إليه عن طيب خاطر.. وسلما أنفسهما لقوة الاقتحام.. فلن يصدق أحد مثل هذه البيانات.. التي تكذب لتتجمل.. والسؤال الذي يجب أن يكون موضع تساؤل واتهام أيضاً: هل نحن في حاجة إلي المزيد من الاحتقان بين فئات المجتمع؟ هل تنقصنا الأزمات ليأتي هذا التصرف المتسرع وغير المقبول. ليضيف إليها أزمة جديدة.. وليزيد من تشويه صورة مصر في الداخل والخارج.. ويعطي فرصة جديدة للمتربصين بنا في الداخل والخارج ليشمروا عن سواعدهم ويستلوا أسلحتهم طعناً في هذا الوطن؟..
لماذا تسلك الداخلية سلوك الدبة التي تريد إبعاد الذباب.. فتقتل صاحبها.. بدلاً من أن تبعد عنه الخطر؟
لا أحد ينكر تضحيات الشرطة.. ولكن لا أحد أيضاً يقبل بانحرافات بعض رجال الشرطة التي لا يجب أن تنسحب علي الجهاز كله.. وهو يضحي ليصون الوطن ويوفر الأمن والأمان للجميع وسط موجات متتالية ومترابطة من التآمر علي الوطن في الداخل والخارج.
لقد خسر الجميع في هذه المعركة التي لم يكن لها أي مبرر.. فالصحفيون ليس علي رأسهم ريشة.. والقانون يسري علي الجميع.. والشرطة أول من تجاهلت قانوناً يمنعها من دخول النقابة بغير وجود نقيبها.. وهكذا وجدنا من يهاجم الصحفيين.. ووجدنا أيضاً من يهاجم الشرطة.. في المحصلة صورة الوطن هي التي شوهت.. ومن ارتكب جرماً أصبح بطلاً.. بينما هو يحرض علي الوطن ورجاله.. ولو تعاملنا بهدوء وبصبر.. ما كنا وصلنا إلي هذه الأزمة.. ولكنه قدر هذا الوطن.. أن تطوله المعاناة أزمة بعد أزمة.. لسوء الإدارة.. وعدم حساب تبعات كل خطوة قبل أن نخطوها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف