مؤمن الهباء
شهادة- الداخلية.. والتغيير الحقيقي
ليس المهم أن يجري تغيير وزير الداخلية أو بعض قياداتها لتهدئة الاحتقان وتطييب الخواطر.. لكن المهم أن يجري تغيير القواعد ومدونة السلوك التي تعمل بها وزارة الداخلية.. تغيير العقول والمفاهيم.. وطي صفحة الماضي كاملة بكل مآسيها لنبدأ معاً صفحة جديدة تتناسب مع مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي يحلم بها المصريون.
لا يوجد عاقل يتصور بناء وطن قوي بدون جهاز أمني علي أعلي مستوي من الكفاءة والمهنية.. تربطه علاقة ثقة متبادلة مع مواطنيه.. ويعمل في إطار منظومة حديثة قائمة علي التدريب المستمر والتثقيف والوعي بالدور والرسالة.. وهو ما عبر عنه كثيرون نادوا بإعادة هيكلة الشرطة حتي تكون قادرة علي مواكبة العصر.
وهذه ليست مهمة سهلة بالنظر إلي الصورة التقليدية التي يري فيها رجل الشرطة نفسه.. ويراه فيها آخرون اعتادوا علي عدم الانصياع للقانون إلا مادام رجل الشرطة عليهم قائماً.. فإذا أدار لهم ظهره.. أو أبدي لهم قدراً من اللين اعتبروها فرصة ذهبية سانحة لانتهاك القانون.
القضية تتعلق إذن بثقافة مجتمع يجب أن تتغير بالكامل.. ليكون القانون فيها هو السيد الذي يحترمه رجل الشرطة ويلتزم به ويحترمه المواطن ويلتزم به.. وهذا هو التفسير الصحيح لدولة القانون التي ننادي بها.
لا يمكن لأي وطن أن ينهض بالبناء والتعمير والاستثمار بدون شرطة تحفظ الأمن وتطبق القانون وتحترم حقوق الإنسان وتتعامل بكرامة مع المواطن وتجعل قوتها في مواجهة الجريمة وليس في مواجهة الشباب والمحتجين السلميين واقتحام نقابة الصحفيين وقتل المواطنين لأتفه الأسباب.
في مجتمع مثل مجتمعنا سيكون هذا التغيير صعباً بالنظر إلي الإرث الطويل والثقافة المتوارثة.. ولكنه لن يكون مستحيلاً.. لأنه طريق الأمل وطريق المستقبل.. وبدونه لن يكون هناك أمل ولا مستقبل.. وسنظل ندور في حلقة مفرغة.. كلما تقدمنا خطوة تراجعنا للخلف خطوات.
في الصفحة الجديدة التي نود أن نفتحها فوراً مع الداخلية يجب أن يكون رجل الشرطة هو النموذج والقدوة في احترام القانون وتطبيقه.. حتي يتدرب المواطن هو الآخر علي احترام القانون وتطبيقه من تلقاء نفسه.. وإن لم تكن وراءه قبضة الأمن القوية القاهرة.. وأن يعتاد رجل الشرطة علي احترام إنسانية المواطن وكرامته والحرص علي عدم كسره وتدميره نفسياً وبدنياً بالضرب والتعذيب والإهانة.. واعتبار هذا النهج الإصلاحي المتحضر أحد المفاتيح المهمة لعودة مصر إلي الاستقرار والأمان.. وأن تكون الشرطة بالفعل شرطة الشعب وفي خدمة الشعب.. وتغيير الصورة النمطية السلبية التي يتم ترويجها عن شرطتنا في الخارج.
في الصفحة الجديدة أيضاً يجب ألا يزج برجال الشرطة فيما هو خارج نطاق اختصاصهم.. ويطلب منهم التورط في حسم الملفات السياسية المثيرة للجدل بعصاهم الغليظة.. الملفات السياسية يتداولها السياسيون ويحسمها السياسيون بالحوار وأدوات الديمقراطية التي يعرفها العالم المتحضر وليس رجال الأمن.. وأدوات الديمقراطية وليس عصا الشرطة هي القادرة علي التوصل إلي تسويات وشراكات وتفاهمات لا تضر برجال الأمن ولا تسقط هيبتهم.
ليس معقولاً أن يكون الأمن طرفاً في الجدل السياسي الذي يختلف اختلافاً كبيراً عن الإرهاب وحمل السلاح.. المسألة لم تعد معضلة.. وقد توصلت دول العالم التي سبقتنا علي طريق الديمقراطية إلي حل للمعادلة التي توازن بين الحريات وحق الشعوب في التعبير عن آرائها سلمياً والحفاظ علي الأمن.. لم تعد المعادلة لغزاً غامضاً وليست في حاجة إلي اختراع جديد.. بالعكس صارت من مسلمات العصر الذي نعيشه.. ونحن لسنا كائنا تغريبة أو متطفلة علي هذا الكوكب.. يجب أن نستفيد ونتعلم من التجارب التي سبقتنا.. فالشعوب تتمتع بالحريات كاملة بما فيها حق الاحتجاج السلمي.. والشرطة عليها حماية المحتجين وتوفير الأمن لهم وللمجتمع وليس مطاردتهم كالمجرمين في الشوارع.. ببساطة لا تكون الحريات علي حساب الأمن ولا يكون الأمن علي حساب الحريات.
وعلي رأس الصفحة الجديدة تأتي حقوق الإنسان التي لم تعد ترفاً.. أو مجرد شعارات وعبارات تتجمل بها الدساتير والقوانين.. احترام حقوق الإنسان صار علامة علي مدي تقدم المجتمع وارتقائه.. ومازال يحدونا الأمل أن نري احترام حقوق الإنسان في بلادنا قبل أن ينتهي بنا العمر..