المصريون
جمال سلطان
الصحفيون يفتتحون معركة كرامتهم بنجاح
من يرى وجوه الصحفيين اليوم في نقابتهم لا يخالجه أدنى شك في أن الدولة ستخرج خاسرة من هذه المعركة ، ليس فقط من سمعتها دوليا ومحليا ، بل ومن نزيف سياسي وإعلامي طويل ومرهق جدا لكل أجهزتها ، من أول رئاسة الجمهورية انتهاء بأجهزتها الأمنية مرورا بمؤسسات كان ينبغي أن تكون لها حرمة وهيبة في الضمير العام ، كان الغضب عارما على وجوه جميع الصحفيين من كل الاتجاهات ، ومن كل الأجيال ، الشيوخ والشباب الجدد ، الكل يشعر بالإهانة والكل يبحث عن رد كرامة الجماعة الصحفية ، والجميع يشعر بأن الدولة تستنفر أدواتها وأجهزتها لإهانة الصحافة وتركيعها ، وأن المسألة أبعد من حكاية ضبط وإحضار اثنين من الصحفيين ، المسألة رغبة في التركيع والتطويع وجعل الصحافة مجرد أداة تسمع وتطيع وذراع للأجهزة الأمنية للدولة لا أكثر . مثلما كان متوقعا ، حاصرت الأجهزة الأمنية جميع الشوارع المؤدية إلى نقابة الصحفيين ، وحشدت مجموعة من "المواطنين الشرفاء" تكفي النظرة السريعة لإدراك أنهم مسجلون خطر من النساء والرجال ، ومظهرهم وحركاتهم وألفاظهم البذيئة واضحة ، وكان بائسا جدا أن ترى هؤلاء يعملون بإشراف وتوجيه ورعاية رجال شرطة ، وقد كنا نحن الصحفيين لا نمر من الحواجز إلا بإبراز بطاقة نقابة الصحفيين ، بينما هؤلاء على بعد أمتار من النقابة ولا تدري كيف دخلوا وكيف وصلوا ، وعلى كل حال كان عددهم قليلا ، سواء المجموعة التي حشدوها في شارع عبد الخالق ثروت من جهة شارع طلعت حرب أو الأخرى التي حشدوها من جهة شارع رمسيس ، وبعيدا عن التحرش والتهديد ، فإن لجوء دولة بحجم مصر إلى هؤلاء الشبيحة لصناعة "شو" في الشارع أو ترويع الصحفيين ، هي حالة إفلاس سياسي ، حالة بؤس ، تشعرك بالمرارة والخوف على بلدك التي تديرها عقلية بهذا المستوى وبهذا الوعي وبهذا الأفق . الجمعية العمومية للصحفيين اليوم حضرها عدد كبير يقدر بالآلاف كما كان متوقعا ، وهتفوا طويلا لوحدة الصحفيين ولكرامة الصحفيين ، وفي الحوار الذي تم قبلها بين رؤساء تحرير الصحف ومجلس إدارة النقابة كان التأكيد على أن المعركة قد تطول ، وأنها تحتاج إلى نفس طويل وإلى صبر ، وستنتصر الصحافة فيها في النهاية بإذن الله ، وتذكر الجميع معركة 95 الشهيرة مع نظام مبارك وقانونه الذي أصدره بهدف تركيع الصحافة ووضعها تحت السيطرة ، وقد امتدت المعركة قرابة أحد عشر شهرا ، وفي النهاية تراجع نظام مبارك عن القانون وانتصرت الصحافة ، كما أن التوجه العام ـ وفق هذا التصور ـ أن يكون هناك تدرج في خطوات المواجهة ، وأن يكون التصعيد تدريجيا حسب درجات الاستجابة أو عدم الاستجابة من الجهات الرسمية ، كما كان هناك تأكيد على أن المعركة نقابية بالأساس ، وليست معركة سياسية ، وهذا أدعى لتعزيز وحدة الصف الصحفي والإجماع على الدفاع عن كرامة المهنة واستقلاليتها ، بغض النظر عن الانتماء السياسي لهذا أو ذاك ، وحتى لا يكون الموقف الصحفي عرضة للتمزق على خلفية تنازع التوجهات السياسية ، وهذا الوعي من أدوات إدارة المعركة ، وإن كان البعد السياسي يكون دائما حاضرا في أي أزمة نقابية باعتبار أن المواجهة عادة تكون مع "النظام السياسي" لحماية حقوق العاملين ، وأيضا باعتبار أن معارك الصحافة عادة هي معركة من أجل الحرية ، من أجل الوطن كله وليس من أجل مكاسب خاصة ، وقد ظلت نقابة الصحفيين قبلة كل دعوة من أجل الحرية وكرامة الوطن والمواطن ، فالصحافة ليست عملا وظيفيا أو مهنة بالمعنى الحرفي ، بقدر ما هي رسالة ، تمثل الرئة التي يتنفس منها الشعب أو أي مواطن يتعرض للاضطهاد أو تسد في وجهه أبواب الدولة ، أو يتعرض للظلم ، فتكون الصحافة سنده ولسانه ، والغريب أن هذا يشمل حتى ضباط الشرطة الذين يحاصرون نقابة الصحفيين الآن ، فكثيرا ما يلجأون هم أنفسهم للصحافة من أجل رفع الظلم عن أحدهم إذا تعرض لضغوط إدارية أو ضاعت حقوقه لأي سبب كان وسدت في وجهه أبواب العون في الدولة وأجهزتها ، وحدث معنا نحن في المصريون هذه الحالات مرارا . انفجار غضب الصحفيين اليوم يمكن أن تلحظ فيه تراكم الهموم والمظالم ، فقد استبيحت كرامة مئات الصحفيين على مدار الأعوام الثلاثة الماضية ، وبطريقة لم تحدث من قبل ، واعتقل العشرات منهم ، واعتدي على آخرين وتحطمت كاميرات بعضهم وتم التعامل معهم في أقسام الشرطة بطريقة مهينة كما لو كانوا مجرمين أو إرهابيين ، كما يتم استهدافهم بعنف بالغ أثناء تغطيتهم للمظاهرات أو الأحداث السياسية المختلفة ، وقد انعكس ذلك كله في المطالب التي انتهى إليها اجتماع اليوم ، إضافة إلى المطلبين الرئيسيين ، وهما إقالة وزير الداخلية ، وتقديم رئاسة الجمهورية اعتذارا باسم "الدولة" للجماعة الصحفية تزيل عنهم الإحساس بالإهانة وإهدار الكرامة . هذا يوم له ما بعده ، وأستطيع أن أؤكد من الآن ، أن الدولة خسرت المعركة من بدايتها ، حتى وإن طالت أحداثها ، خاصة وأنه من الواضح أن ثمة فراغا في وجود العقل السياسي الخبير ، الذي يحسن إدارة الأزمات السياسية للدولة ، وهذا واضح في إدارة أزمة الصحفيين أو أزمة ريجيني أو أزمة الجزر وغيرها من الأزمات الأخرى .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف