اليوم السابع
خلف أحمد الحبتور
رسالة مفتوحة إلى الشيعة العرب فى لبنان
كثيراً ما نتساءل لماذا يتخبّط العالم العربى، على وجه الخصوص، فى كل هذه الفوضى. الحقيقة هى أن جزءاً كبيراً من مشكلاتنا قد نجم عن تدخّل قوى أجنبية تسعى جاهدة للسيطرة على هذه المنطقة ذات الموقع الاستراتيجى والغنية بالموارد الطبيعية. رسَم العثمانيون والبريطانيون والفرنسيون معالم المنطقة وفصلوا بين العشائر والعائلات بواسطة الحدود. وقد صادق المجتمع الدولى على سرقة الأرض الفلسطينية، ما أشعل سلسلة من الحروب العربية-الإسرائيلية. أما فى ما يتعلق بلبنان، فقد ورث منظومة حكم "طائفية" تتسبّب بالانقسام بدلاً من توحيد الصفوف، وتغذّى التعصّب المذهبى. مؤخراً، أدّت التدخلات العسكرية الأمريكية فى العراق وليبيا إلى تأجيج التشنّجات المذهبية فيما شرّعت الأبواب أمام الإرهابيين من مختلف المشارب القبيحة. أسوأ من ذلك، ساهمت إدارة أوباما فى زيادة ثروة إيران التى تتباهى بسيطرتها على العواصم العربية، وفى تمكينها وجعلها أكثر جسارة، وذلك بمجرد شحطة قلم، فباتت منطقتنا معرّضة لمخاطر أكبر من أى وقت مضى. استُخدِم العرب كأدوات فى أيدى القوى الخارجية التى تسعى فقط خلف مصالحها الخاصة. لو توحّدنا نحن العرب ووقفنا صفاً واحداً بدلاً من الخضوع، أو أحياناً مصافحة قادة الدول الأجنبية، لكانت منطقتنا فى وضع مختلف جداً اليوم. صحيح أننا كنا نفتقر فى الماضى إلى الوسائل المادية والعسكرية لمقاومة التدخل الخارجي، لكن الوضع يتغيّر بسرعة بفضل الدور القيادى الذى تضطلع به السعودية التى تعمل على توحيد حلفائها فى كتلة عسكرية واقتصادية وديبلوماسية نافذة. السؤال المطروح هو: أين يقف اللبنانيون، مع الفرس الذين يسعون للهيمنة على المنطقة أو مع أشقاءهم العرب؟ هل أنتم معنا أم ضدّنا؟ يجب أن يكون الخيار واضحاً وحاسماً فى الوقت الذى يتعرّض فيه العرب فى إيران للقمع الشديد والإقصاء؛ ويُمنَعون من تعلّم اللغة العربية فى المدارس، ويُستبعَدون من الوظائف العليا، وحتى يُمنَعون من إطلاق أسماء عربية على مواليدهم الجدد. يجب ألا ننخدع، يدين "حزب الله" بنشأته وولائه للملالى. لقد ورد فى بيانه التأسيسى الصادر عام 1985، بعبارات واضحة، أن آية الله الخمينى هو القائد الذى "نطيع أوامره"، ويدعو الحزب المسيحيين إلى "اعتناق الإسلام"، ويدعم تحويل لبنان دولة شيعية. ربما أعاد حسن نصرالله النظر فى البيان التأسيسى وعمل على تخفييف لهجته عام 2009 ليكون أكثر قدرة على الاستقطاب، لكن من يحاول أن يخدع! فحزبه خاضع تماماً لإيران التى تؤمّن له التمويل والسلاح. "حزب الله" لبنانى بالاسم فقط. فهو ليس أقل من أداة فى أيدى دولة أجنبية، ويتخفّى تحت ستار المقاومة اللبنانية. وأى مقاومة هذه! إنها مقاومة حقوق اللبنانيين من سنّة وشيعة ومسيحيين ودروز فى العيش فى مجتمع منفتح وحر وآمن ومزدهر. يثير الحزب امتعاض الدول العربية الحليفة للبنان، وقد تسلّل إلى الجيش اللبناني، ويصرّ على مرشّحه لرئاسة الجمهورية. كما أنه جرّ لبنان إلى حرب مع إسرائيل عام 2006، وورّطه فى دعم نظام الأسد المسؤول عن مقتل أكثر من 400000 سورى. أتفهّم رد فعل بعض من أصدقائى اللبنانيين على قرار السعودية تجميد المساعدات التى كانت تنوى تقديمها إلى الجيش اللبنانى والأجهزة الأمنية اللبنانية والتى تصل قيمتها إلى أربعة مليارات دولار أمريكى. فهم يشتكون من أن ذلك يعنى التخلّى عنهم وتركهم فى أحضان إيران، فى حين أن الحقيقة هى أنه ما دام "حزب الله" يُحكم قبضته على البلاد ويبثّ الخوف فى قلوب القادة السياسيين والعسكريين، سيبقى لبنان دمية فى أيدى إيران. لقد ضاقت المملكة ذرعاً بالادّعاءات بأن صنّاع القرار فى لبنان ليسوا مكبّلى الأيدي، وبأن الوطنيين هم من يديرون دفّة البلاد. لو كان الأمر كذلك، لكان للبلاد رئيس للجمهورية، وموازنة، ولم يكن لبنان ليغرق فى بحر من النفايات يهدّد صحة مواطنيه. من يعتقد خلاف ذلك وقَع تحت التأثير المضلّل للواجهة البرّاقة والمخادعة. خلاصة القول، لن تُحدث أى مساعدات فارقاً فى لبنان. كى يزدهر الاقتصاد اللبناني، يجب وضع حد لانعدام الأمن والاستقرار الذى يتسبّب به "حزب الله". يجب هزم هذا التنظيم بكل الوسائل المتاحة. بعيداً من التسبّب باندلاع حرب أهلية جديدة، وهو ما لا يريد أى مواطن لبنانى مجرد التفكير فيه، يقع إنقاذ لبنان وإعادته إلى الصف العربى فى أيدى أخوتنا وأخواتنا الشيعة فى لبنان الذين أعرف، انطلاقاً من تجربتى الشخصية، أنهم أسخياء ومضيافون ويعتزّون بانتمائهم اللبنانى. أنتم، أصدقائى، خلاص لبنان. إذا توقّفت بعض الشرائح فى طائفتكم الكريمة عن دعم "حزب الله"، سوف يضمحل ويتلاشى. أعرفكم منذ أواخر الستينيات عندما زرت لبنان ولم أكن أملك فلساً واحداً فى جيبى. يومها رحّب بى آل وزنى وسواهم من الشيعة اللبنانيين اللطفاء. الشيعة الذين تعرّفت إليهم شغوفون فى حبّهم لوطنهم، وهم من أصدقائى المقرّبين. يعتزّون بانتمائهم اللبنانى والعربى. لا أريد أن أرى اليوم الذى يُرغَم فيه أحفادى على تكلّم اللغة الفارسية، وأصدقائى الشيعة لا يريدون أيضاً ذلك. لا يمكننا التملّص من روابط الدم أو من حمضنا النووى أو من تاريخنا. عرقنا مختلف عن العرق الفارسى. لا نتشارك التقاليد أو الثقافة نفسها. أتمنّى لو أن جميع الشيعة اللبنايين يفكّرون بالطريقة نفسها، وآمل من صميم قلبى بأن تنفتح عيون أولئك الذين هم على ارتباط بنصرالله أو نائبه نعيم قاسم أو من يقدّمون الدعم إليهما، قبل أن يُنظَر إلى لبنان بأنه دولة تدور فى الفلك الإيراني، وعدو للعالم العربى. أحتفظ بذكريات رائعة كثيرة من زياراتى إلى لبنان، ولطالما شعرت برابط عاطفى قوى مع هذه البلاد التى تتميّز بجمالها الطبيعى الخلاّب وشعبها الطيّب. وأعرف أن عدداً كبيراً من مواطنى دول مجلس التعاون الخليجى يشاركوننى مشاعرى هذه. صدقّوني، إذا سقط "حزب الله"، ستغمر البلاد بالاستثمارات والمشاريع الجديدة، وستتهافت إليها المصارف لفتح فروع فيها، هذا فضلاً عن تقاطر السياح بأعداد كبيرة! ستُزهر براعم لبنان وتنعم من جديد، تماماً كما حصل فى الخمسينيات والستينيات ومطلع السبعينيات من القرن العشرين. ارفضوا أكاذيب "حزب الله" وحملاته الترويجية. لن تتغير جذوره الإيرانية أبداً. ربما أبصر قادته النور فى لبنان، لكنهم تخلوا عن حقهم فى تصنيفهم بأنهم من العرب. لقد تخلّوا عن كرامتهم عبر تورّطهم فى تجارة المخدرات وتبييض الأموال وتهريب الماس وفى الإرهاب، ولذلك لا يستحقون أى احترام على الإطلاق. أطلب من الشيعة اللبنانيين أن يفعلوا الصواب. لبنان مصاب بجرح عميق وينزف سياسياً وجيوسياسياً واقتصادياً. أيدينا مفتوحة لكم. عودوا إلينا واستردّوا هويتكم العربية؛ ليس خلف الأبواب المغلقة أو همساً. تحلّوا بالشجاعة لتعلنوا على الملأ، من القمم العالية وفى الساحات والشوارع، رفضكم لما يمثّله "حزب الله"، العميل لدى إيران، وسوف نقف إلى جانبكم لانتشالكم من هذه الدوّامة الانحدارية قبل أن يصبح لبنان، على غرار العديد من الدول المجاورة له، بحاجة إلى عناية مركّزة.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف