الوطن
د. محمود خليل
ختام «السبيل»
- فهمى: يا عقلة الهرب ليس حلاً.

- عقلة: بل الحل الوحيد.

- فهمى: لو كان من أجلها سأفعل. نعم!.. أهرب لأبحث عن حنيفة. سأتزوجها وأعيش معها. إنها الوحيدة التى يمكن أن أتزوجها. سأبحث عنها حتى أجدها وأتزوجها وأعيش. سأستطيع الحياة فى أى مكان وفى أى ظروف.

- مختار: المشتاق يذهب والناسى لا يعود!

- فهمى: ما هذا الصوت؟!.. معقول؟!.. إنه مختار!

- مختار: المشتاق يذهب والناسى لا يعود!

- فهمى: مختار!.. ماذا تفعل على دكة عم عباس؟!

- مختار: المشتاق يذهب والناسى لا يعود!

- فهمى: أفق يا مختار! إننى وأخاك نريد أن نشرب من دماء بعضنا البعض!.. أخوك يريد جلدى!

- مختار: المشتاق يذهب والناسى لا يعود!

- فهمى: يا مختار إننى هارب منه. سأترك السبيل. لن تروا وجهى بعد اليوم.

- مختار: الناسى لا يعود!

- فهمى: نعم!.. إنك وأخاك تكرهان الحياة. تحولتما إلى دراويش!. أما أنا فأحب الحياة، ولا أستطيع أن أكون درويشاً.

- مختار: المشتاق يذهب!

- فهمى: إنى ذاهب! ليس هناك فائدة!

تأتى الذبيحة يسوقها أبوها. يتجمع الناس حول أحد أعمدة الإضاءة بالسبيل، حيث سيتم توقيع حد الله عليها وحدها بعد اختفاء فهمى. تسير حنيفة مثاقلة إلى الأرض وخلفها عم حنفى يجرجر قدميه. يدفعها قرباناً على مذبح الجماعة حتى لا يقطعوا رزقه من السبيل. يربطها أحدهم ويساعده آخر يعبث بجسدها ليثبتاها فى عمود النور. ويصرخ مصطفى السيد «حد الله نطبقه على الزانية حنيفة.. وسنطبقه على الزانى فهمى الكلب الذى هرب.. مائة جلده!.. ولن يتوقف الجلد إلا فى حالة الإعياء المفضى إلى الموت. بسم الله الرحمن الرحيم.

يسمى مصطفى السيد، ويمسك بالسوط. وتسقط أول جلدة على ظهر حنيفة. يرتج عمود النور وينطفئ مصباحه. تصعد من حنيفة صرخة عظيمة. والناس تتفرج. تتوالى الضربات وتتوالى صرخات حنيفة. والناس تتفرج. مع الضربة العاشرة تشهق حنيفة. والناس تتفرج. يندفع عم حنفى ويمسك بيد مصطفى. يهاجمه رفاقه ليبعدوه. فجأة يتحرك الجمع الساكن لينبشوا أظافرهم فى رقاب الإخوة. يتحول السبيل إلى شلال دماء. شلال الحب الذى كان يجمعهم يتحول إلى شلال دم. يصل الخبر إلى أجهزة الشرطة. تهاجم الشرطة الجميع وتقبض على عدد من الأهالى. فى حين لا يجد طارق ورفاقه مفراً من الهرب والاعتصام بالسبيل حيث حاصرت الشرطة مداخل ومخارج الشارع. تطلب الشرطة منهم الخروج وتسليم أنفسهم. يرفض الإخوة ويأمرهم مصطفى بالصعود إلى سطح السبيل. ويبدأ الجميع فى إمطار أفراد الشرطة بوابل من الحجارة فيصاب العديد منهم وتسيل دماء جديدة. يصدر أمر بإطلاق النار على المعتصمين بالسبيل. وتلقى القنابل المسيلة للدموع. يخترق الرصاص حيطان الأثر الجميل ليخط صفحة جديدة فى تاريخه يسقط معها تاريخه.

يصرخ بعض الإخوة من الداخل على رأسهم مصطفى السيد طالبين تسليم أنفسهم بعد أن زاد عدد المتساقطين بالرصاص. هاله منظر الدماء وأشباح الموت التى تحلق أطيارها فوق المكان. يهبط الأحياء للخروج وتسليم أنفسهم. ثم تبدأ الشرطة فى إخراج جثث الذين لقوا حتفهم. ويتوالى الأهالى من سكان السبيل ليروا مصائر أبنائهم. تتعالى الصرخات مع كل خيط دم جديد.

وهناك على رصيف السبيل كان مختار يجلس بعد أن أزاحته الشرطة عن دكة عم عباس. كان يجلس ساكتاً ساكناً. ينظر ولا يرى الجثث التى تخرج من السبيل. جثة واحدة ظن أنه رآها وأنه يعرفها.. جثة أخيه طارق وخيوط الدم منبثقة منها. خيالات. نعم هى خيالات. خيالات فهمى الهارب المشتاق الذى يذهب. وخيالات طارق الفائت الذى لا يعود. وخيالات مختار. خيالات الناسى!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف