المصريون
د. أحمد دراج
من العار الرقص على جراح الوطن
يستيقظ المصريون كل صباح منذ عامين على أمر جلل يدل على سوء إدارة شئون البلاد والانفراد بالرأي والسلطة المطلقة مما يزيد الأمور تأزما وتعقيدا، فمن فشل في محاصرة حجم الفساد إلى فشل في تقدير واختيار الأولويات وإهدار الموارد المحدودة في مشاريع يمكن تأجيلها إلى حين ميسرة، ومن فشل في معالجة مقتل الشاب الإيطالي جوليو روجيني والقاء التهمة على شماعة الإعلام، ومن تخبط في معالجة قضية نقص مياه النيل وتوقيع وثيقة مباديء سد النهضة إلى التفريط في حق السيادة المعمد بالدم والتضحيات على جزيرتي تيران وصنافير( إذا اعتبرنا- جدلا- أن قضية ملكية الجزر محل تشكيك ) ومن المعاندة والمكابرة والمن على الشعب إلى أوهام القوة والعظمة وتجاهل اقتحام الشرطة لنقابة الصحفيين للقبض على الصحفيين بالمخالفة للدستور والقانون، إلى فشل اقتصادي أدى إلى انهيار قيمة الجنيه أمام الدولار بحوالي 40 % خلال بضعة أشهر، فكيف يدير هذا النظام شأن أمة ويتحدثون عن دولة القانون والبناء ؟. وباستمرار مسلسل الانهيار والتفكك يرى المراقب عددا من المشاهد التي لا تثير الغثيان وفقدان الأمل فحسب، بل تدفع المرء إلى الإحساس بالمرارة والخديعة والعار، هذه المشاهد الثلاثة تمثلت على التوالي في الأول : حمل إحدى السيدات المصريات للبيادة على رأسها يوم 25 إبريل في صورة رمزية مهينة تدين المحرض وتجعل من القوات المسلحة المصرية- مع كامل تقديرنا لدورها كمؤسسة وطنية في الدفاع عن تراب الوطن- دولة فوق الدولة أو دولة شقيقة، وكأنها ليست جزءا لا يتجزأ من نسيج هذا الوطن الذي يتحمل كل منا نصيبه من التض حية في خدمة علم بلاده في مرحلة شبابه، فبالأمس القريب كنا جنودا وضباطا نقدم أرواحنا فداء لترابه وحماية كرامته، واليوم يقوم أبناؤنا بخدمة العلم ويؤدون واجبهم تجاه وطنهم وهكذا أحفادنا، فلا يزايدن أحد على احترام القوات المسلحة، لأنها في نهاية الأمر قيمة معنوية تعبر عن الجندي والضابط الصغير قبل القيادات العسكرية الكبرى التي تتغير بتغير الأزمان وتدور مع دوران عجلة التاريخ، ولا يعقل بعد ثورة 52 التي رفت شعر " ارفع رأسك يا أخي فقد ولي زمن الاستعباد، ولا يمكن بعد ثورة 25 يناير التي رفعت شعار " ارفع راسك فوق انت مصري "، أن يصل الحال بهؤلاء البسطاء إلى للتحقير من شأنهم كمواكنين برفع الأحذية فوق رؤوس أمهات يدفعن بفلذات أكبادهن للدفاع عن هذا الوطن، ترى ماذا يقول العالم أمام هذا المشهد المهين ؟. والمشهد الثاني تمثل في رفع علم دولة أجنبية ( حتى ولو كانت المملكة العربية دولة شقيقة ) في شوارع وميادين مصر وعلى مرأى ومسمع وتحت حماية قوات الأمن المصرية في عيد تحرير جزء عزيز من سيناء عبر التحكيم الدولي، وفي مناسبة شديدة الخصوصية، فإذا كان العلم الذي رفع هذه المرة علم دولة عربية لمكايدة مشاعر عموم الشعب المصري من بعض من ينسبون له في مناسبة بهذا القدر من التبجيل والاحترام، كيف تأتي لمن لديه ذرة من رشد أن يكون التنازل عن سيادة قطعة من لحم السيادة الوطنية في هذا التوقيت بالذات ؟ ويتساءل البعض : من يدرينا لعل المستقبل القريب يحمل لنا لحظات مفجعة ترفرف فيها أعلام دولة كانت- وما زالت- ألد أعدئنا لتصبح حليفة وتعانق أعلامها العلم المصري في سماء القاهرة بمناسبة تنازلات أخرى قد تبدو في الأفق الملبد بالغيوم والشكوك ؟ . والمشهد الثالث كان مشهد فرق العار المسماة بالمواطنين الشرفاء من البلطجية وأصحاب السوابق الذين تحلقوا حول نقابة الصحفيين في مشهد بائس يرقصون على أنغام تقسيم وتفتيت الشعب المصري إلى فرق وشيع وجماعات، بينما يتحدث رئيس الدولة عن الوحدة وعدم الفرقة، أمر عجيب !!!، ولم يكتف هؤلاء المأجورين والمسجلين الخطرين بتوجيه السباب والإهانات والبذاءات لجموع الصحفيين تحت سمع وبصر ورعاية أجهزة الأمن المصرية، بل اعتدوا أيضا على بعض الصحفيين الذين يدافعون عن كرامة مهنة الصحافة وحق المواطن في المعرفة، ويحملون لواء الكلمة الحرة ضد الظلم والاستعباد والقهر دفاعا عن شعب انتظر عامين من وعده أن يحنوا عليه فلم يجن من وراء تصديقه سوى الغلاء والإفقار والظلم وإهدار الكرامة. للأسف الشديد يا سادة، إنكم تدفعون أجيال الشباب- ثروة هذا الوطن ومستقبله- إلى الكفران بقيم العمل والتضحية والانتماء للوطن والزود عن أراضيه، إنكم بهذه الأفعال تحقرون من معنى الشرف والكرامة وقدسية التراب الوطني، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، لأنها : لو دامت لغيركم ما وصلت لكم !!!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف