المصريون
جمال سلطان
لماذا يرفع البلطجية صور الرئيس وليس الوزير ؟!
في حدود علمي ومشاهداتي أمام نقابة الصحفيين وفي محيطها من أكثر من اتجاه ، يوم الجمعية العمومية التي احتشد فيها آلاف الصحفيين ضد ممارسات وزير الداخلية ، كان البلطجية والنساء المستأجرات المسجلات خطر لدى الشرطة عادة يرفعون صورة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي ويهتفون له ، ولا يوجد أحد ـ في حدود ما رأيت ـ كان يحمل صور الوزير أو يهتف للوزير ، رغم أن الأزمة كلها سببها الوزير ، وانتفاضة الصحفيين كانت ضد الوزير ، ومطالب الصحفيين كانت ضد الوزير ، ومع ذلك كان من حشدهم الوزير يرفعون صور الرئيس ويغنون للرئيس ، ربما هذا يلخص لنا الكثير مما يحدث مع أجهزة الدولة ومؤسساتها ومرتزقتها أيضا هذه الأيام ، فكلما أخطأ أحدهم في خطأ أو تورط في كارثة فينتقده آخرون أو يطالبون بمعاقبته تجده سريعا يلجأ إلى التستر باسم رئيس الجمهورية وباسم رمز الوطن وهيبة الدولة واستقرارها ، وتحيا مصر ويسقط المتآمرون ؟! ، الكل يحمل الفاتورة لرئيس الجمهورية ويستريح ، وغالبا تنجح الخطة ، وغالبا "يشربها" الرئيس فعلا ، الذي تبدو كثير من ردود أفعاله ومواقفه عاطفية وانفعالية ميالة لمن يسمعه معسول الكلام أو يتمسح به ولو بكلام فارغ وقليل القيمة ، رغم أنه في النهاية الذي سيحمل "فاتورة" أخطاء رجاله وأجهزته . والحقيقة أن فكرة استئجار البلطجية أو حتى الضغط عليهم من أجل استخدامهم للتحرش بالسياسيين المغضوب عليهم أو المرشحين أو الصحفيين أو المحامين أو غيرهم من رموز المعارضة ليست جديدة ، فقد استخدمها مبارك أيضا من قبل ، وسجلات الصور والفديوهات خاصة أيام الانتخابات واضحة وشهيرة ، ولكن ، للأمانة ، كان مبارك ورجاله يملكون حدا أدنى من العقل السياسي الذي يعرف متى يستخدمون البلطجية والنساء "الشمال" في التحرش بالمعارضين ومتى يبتعدون عن ذلك ، وفي اعتصامات القضاة والصحفيين والمحامين لا أذكر أن مبارك وأجهزته استخدموا مثل هذه الوجوه ، ولكنهم اليوم يستخدمون بكثرة وإفراط و"عيني عينك" ، وهذا في الحساب السياسي هزيمة كبيرة للنظام ، لأن كل من يراقب الوضع لا يحتاج إلى كثير جهد لكي يدرك أن النظام أفلس سياسيا وشعبيا ، ولم يعد يستطيع أن يحشد "الملايين" كما كان يحدث أيام التفويض ، وأن الشعب انفض عنه ، ولم يبق معه الآن إلا هؤلاء البلطجية يلجأ إليهم ، كما أن مثل هذه الممارسات العلنية الفاضحة ، والتي لا يتحرز مخططوها من خطورة دلالة حضور الزي الشرطي حتى برتبه الكبيرة مثل العميد واللواء وهم يتقاسمون الأدوار مع البلطجية والساقطات في محيط التظاهرات أو الاحتجاجات ، تمثل هوانا للدولة ، وهوانا حقيقيا للشرطة كجهاز وطني ، هوانه هوان لنا أيضا ، لأنه شرطتنا في النهاية ، مهما اختلفنا مع أداء قطاع منها أو تجاوزات بعض رجالها أو سلوكها السياسي ، فهي تمثل "الدولة" المصرية ، وجميع القوى التي تضررت من الشرطة تطالب بهيكلتها وتطويرها وتصحيح وضعها كجهاز أمن للوطن والشعب وليس للنظام أو الحزب أو الشخص الحاكم ، ولا تريد هدمها أو إهانتها أو أن تنهار صورتها على هذا النحو المخيف . في كلمته أمس ، التي تحدث فيها السيسي حتى عن موقف "صادفه" مع ركاب أوتوبيس على شاطئ الاسكندرية ، تجاهل الأزمة المحتقنة مع صحافة الوطن الذي يحكمه والتي يتحدث العالم كله عنها الآن ، ولم يتصور أحد أنه اعتبر نقابة الصحفيين والجماعة الصحفية وآلاف الصحفيين الغاضبين أقل من "أوتوبيس" كورنيش الاسكندرية ، ولكن الكل اعتبر أنه موقف مقصود منه لتحقير الصحفيين وأنه غير مهتم بقضيتهم ، كما أتى اصطحابه لوزير الداخلية في رحلته وإبرازه بجواره بدون أي مسوغ لا ضرورة ولا حاجة ، ليمثل رسالة تأييد منه للوزير في خصومته مع الصحفيين ، وهو خطأ سياسي فادح ، لأن السياسة لا تدار بمثل هذا الاستهتار أو العناد أو التعالي ، حتى لو كنت مستهترا ، كما أنه لا يوجد حاكم يلتزم بأبسط معايير العقلانية السياسية يخوض كل هذه الصدامات الاعتباطية مع قطاعات المجتمع المختلفة خلال أقل من عامين فقط من بداية حكمه . هذا العناد والمكابرة ، والتطوع بتحمل فاتورة أخطاء رجاله وأجهزته بدون أي داع ، لا يمكن أن تعبر عن قوة نظام ، وإنما تعبر عن ارتباك وسوء تقدير للمواقف ، وتعطي انطباعا عن أن الدائرة المحيطة بالرئيس لا تملك الخبرات الكافية لفهم وإدارة شئون دولة بحجم مصر ، هذا الارتباك يوقع السيسي في أخطاء كثيرة ، حتى في تعبيراته العفوية ، مثل حديثه في نفس الكلمة عن أن مصر الآن ليست دولة وإنما هي شبه دولة ، وهي كلمة لو قالها أحد خصومه الآن ، لقامت عليه الدنيا ولم تقعد ، ولنزعوا عنه الوطنية ، ولكنه الارتباك والقلق الذي يجعل القائد "يرى حسنا ما ليس بالحسن" ، كما قال الشاعر .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف