خيرية البشلاوى
رنات- القمح الليلة.. ليلة عيده
واحد مصري غبي وأعمي البصيرة ـ لن أذكر اسمه ـ مقيم في تركيا يسأل عن الجدوي الاقتصادية لـ "قمح الفرافرة" ياااه؟؟
يسأل وقد أعماه الحقد عن جدوي أن يمتلك الشعب خبزه ومن ثم استقلالية قراره السياسي ولم يتبصر ـ عمداً ـ الفائدة السياسية والمعنوية الكبيرة لشعب تعداده 90 مليون يتزايدون سنويا ويستورد عيشه من الخارج.
ربما يتكلف "قمح الفرافرة" أموالا أكثر من تكلفة استيراده ولكن هذا إلي حين وحتي يشتد عود الأرض وتجود بثمارها الوفيرة بما يكفي استهلاك أبناء الشعب أو حتي النسبة الأكبر منهم.
أتذكر حكاية صغيرة منذ خمسينيات القرن الماضي.. ذات يوم جاء إلي بيتنا في القرية فلاح فقير يصطحب أولاده الصغار ويطلب من أمي ـ رحمها الله ـ مكانا يسكن فيه مقابل رعاية الحديقة وريها وأداء أي عمل يعهد إليه أو لزوجته.
ومن دون تطويل. لبت أمي طلبه بعد أن تفحصت متعلقاته التي تنم عن بؤس شديد ولكن أكثر ما لفت نظرها وجعلها ترق لحاله انه من بين هذه المتعلقات "مشنة" فارغة وقديمة و"المشنة" هي سلة الخبز المصنوعة من عيدان الحطب خصيصاً لرص أرغفة الخبز بعد خروجها من الفرن.
وفي ذلك الحين كانت "المشنة المكفية" أي الخالية مدعاة للرثاء ودليل علي الفقر.
الابن الأكبر لهذا الرجل مازال في نفس المكان. تحسنت أحواله وبلغ سن المعاش كغفير وباقي الأبناء والأحفاد تفرقت بهم السبل وانتشروا في عشوائيات القاهرة منهم من مات بالسرطان ومن مات بفيروس "سي" وجميعهم بمن فيهم من مكثوا في القرية أصبحوا يشترون الأرغفة من "الطابونة" المعتمدة علي القمح المستورد لأن المحلي لا يكفي ومازالت "المشنة" تكفيه لأن الفلاحين لم يعودوا يخبزون لهم إلا قلة من الأعيان وملاك الأرض.
اختفت "الخبازة" التي كانت حرفتها "الخبيز" وارتفع سعرها بدرجة لا تصدق.. واختفي دخان الأفران برائحته داخل البيوت واختفت الجلابية والتي أصبحت "فولكلور" وحلت محلها العباية الخليجية وضاعت الطرحة وانتصر الحجاب وعم الجهل وازداد انتشارا.
وفي نفس ذلك الزمن البعيد.. أتذكر أغنية الموسيقار محمد عبدالوهاب التي ألفها حسين السيد وكانت تذاع في عيد الحصاد وكنا نحفظها.. القمح الليلة ليلة عيده يا رب تبارك وتزيده.
أرواحنا ملك ايديه وحياتنا بيه.. هلت علي الكون بشايره ردت للعمر عمره والأمر الليلة أمره. يا رب احميه.. هذه الأغنية لماذا لا نعاود بثها إحياءً لتلك الفرحة التي كانت والتي كان الفلاح يشعر بها في عيد الحصاد. المفارقة الفلاح زارع القمح لا يعيش حالياً أزهي أيامه رغم ذلك ويشعر بعدم الراحة والاحتياج الملح للأمان.
سؤال حزين: هل ونحن نحتفل بجني محصول قمح الفرافرة. يصر الكارهون لاستقرار هذا الوطن علي نشر الفوضي ومشاعر القلق والتهديد لأمن هذا الوطن؟ نحن لا نعاني من افتقاد الحرية وانما غياب المنطق لحساب المصالح الشخصية.. ومن يتأمل الوقاحة المتناهية لبعض الإعلاميين يدرك اننا نفتقد الأدب في استخدام الحرية المتاحة ونضرب العمار النفسي الذي ننعم به وسط الخراب المحيط بأشقائنا العرب. نضربه في مقتل وبقلب بارد لا يدرك المسئولية.
نحن في واقع الأمر نعاني من الجهل وسوء الفرص لأننا نحتفي بالجهلاء وانصاف المتعلمين وننتصر للبلطجة بأشكالها ونحمي "البلطجية" وهم أكثر النشطاء نشاطا وتخريبا وتهديدا للأمن..! من المواطن قبل أمن الدولة.
نحن نعاني من العنجهية الفارغة لمعدومي الموهبة ومن الورم المهني الخبيث والادعاء المرضي الذي يطمس البصيرة والوعي السليم ويفتح للنفاق والرياء والفوضي بابا واسعا.. فوقوا يرحمكم الله.. ودعونا نحتفي ونحيي أغنية عبدالوهاب القديمة "القمح الليلة ليلة عيده يا رب تبارك وتزيده.. والنيل علي طول بعاده فات أصله وفات بلاده. جاله يجري في ميعاده علشان يرويه. احميه يا رب لينا. يا رب احميه".