مؤمن الهباء
شهادة- أغنياء الشرق الأوسط .. وفقراؤه
في دراسة فريدة من نوعها أجرتها شركة "إي. بي. كي" الدولية ونشرت تفاصيلها جريدة "الشروق" يوم السبت الماضي.. تصدرت منطقة الشرق الأوسط أكثر مناطق العالم نمواً في رحلات السفر الفاخر خلال السنوات الخمس الماضية.. وبحسب الدراسة فإن رحلات السفر الصادر من الشرق الأوسط إلي الخارج مثلت الجزء الأكبر من تلك الرحلات.
وأوضحت الدراسة أن الطيران المباشر ــ الشارتر ــ أصبح من العوامل المهمة في جذب المسافرين الأثرياء من الشرق الأوسط.. وتوقعت أن تتضاعف قيمة السفر الفاخر التي يقصدها المسافرون الشرق أوسطيون خلال السنوات القادمة.
وتقول الدراسة إن هؤلاء المسافرين الأثرياء جداً علي الرحلات الفاخرة يسعون دائماً للحصول علي خدمات مميزة مهما كانت تكلفتها باهظة.. وتتمثل هذه الخدمات في الطعام الفاخر والتكنولوجيا المتقدمة ووسائل الراحة بالإضافة إلي غرف الإقامة الواسعة ــ عادة أجنحة فاخرة ــ في فنادق تقع في مواقع استراتيجية في المدينة التي يقصدونها.
والآن.. هل فاجأتك الدراسة عزيزي القارئ؟!
أنا شخصياً لم تفاجئني.. وأعرف تماماً أن الدراسة تقصد المسافرين العرب وإنما قالت الشرق الأوسط حرصاً علي سمعة الزبائن الدائمين علي الرحلات الفاخرة.. فلست أتصور أن هناك مواطنين من تركيا أو من إيران أو إسرائيل.. أو أية دولة أخري في الشرق الأوسط.. لديهم مرض سفاهة الإنفاق علي المظاهر الكاذبة مثل الأثرياء العرب.. ولست أقصد هنا عرب الخليج فقط.. فهناك أثرياء من أفقر الدول العربية مثل مصر والسودان واليمن يتصرفون مثل أثرياء الخليج تماماً.
لا عجب اذن فيما جاءت به الدراسة.. فالشرق الأوسط ــ أو قل المنطقة العربية ــ هي في الواقع منطقة التناقضات الكبري.. لدينا أكبر تجمع للأثرياء في العالم.. ولدينا أكبر تجمع للفقراء والمعدمين وأعلي معدل للبطالة والعوز.
نحن أكثر مناطق العالم نمواً في رحلات السفر الفاخر.. ونحن أيضاً أكثر مناطق العالم نمواً في الهجرة غير الشرعية وأفواج اللاجئين للخارج.. والغارقين في البحر المتوسط.
نحن أكثر مناطق العالم نمواً في القصور ذات الأسوار العالية.. وامتلاك الطائرات الخاصة والسيارات الفاخرة.. ونحن أيضاً ــ وفي الوقت ذاته ــ أكثر مناطق العالم حروباً ودماراً وخراباً وموتاً وبؤساً.
والسبب معروف بالطبع.
فقد قال سيدنا علي كرم الله وجهه "ما اغتني غني إلا بما افتقر به فقير".. أي أن الفساد هو الذي يخلق هذا التفاوت الكبير في المجتمع.. فما كانت الحروب إلا بسبب انتشار الفساد والاستبداد.. ورغبة الشعوب في أن تنال حريتها تدفع الحكام المستبدين إلي إعلان حرب إبادة علي شعوبها.. وكلما انتشر الفساد اتسعت الهوة بين نخبة الأثرياء التي تمثل القلة والأغلبية الفقيرة المعدمة.. وزادت المظالم.. واختل ميزان العدل.
لن تجد الثراء الفاحش إلا في الشرق الأوسط.. في منطقتنا العربية.. ولن تجد الفقر المدقع إلا في منطقتنا العربية.. العالم تخلص من هذا التناقض البغيض.. واجتهد بالعلم والعدالة الاجتماعية وتطبيق برامج الضمان الإنساني لتحقيق تقريب الفوارق بين الطبقات.. أما عندنا فمازال الطريق طويلاً.. والتضحيات مازالت مطلوبة.. لأن محتكري الثروة والسلطة مازالت لهم الهيمنة الكاملة علي مقدرات البلاد والعباد.
لكن.. رغم كل شيء.. التغيير قادم قادم.. والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.