التحرير
أحمد عبد التواب
إلى أين يدفع بنا الابتزاز؟
قد تكون هذه اللحظة من عمر البلاد أكثر إلحاحاً لمواجهة موجة الابتزاز التى تعوق الحوار العام وتدفع بالأمور إلى مسارات لا تنزلق إليها فى ظل الظروف العادية.

والمقصود هنا هذا الاتجاه عالى الصوت الجاهز لوضع وسام على صدر كل من يعلن معارضة للرئيس والحكومة فى أى شيئ وبأى وسيلة، حتى لو كان خبراً مفبركاً أو مشكوكاً فيه، وحتى لو كان رأياً سطحياً، وكلما اتسم التعبير بالتجاوز والتطاول كلما علا تقديره حتى إذا كان ينتهك القانون، ثم يُطلَب لصاحبه الإعفاء من المساءلة القانونية، بل ومهاجمة من يطالب بإعمال القانون بأنه عميل للسيسى وبأنه من عبيد البيادة.. إلخ.

ولا يدخل فى هذا المعارضون أصحاب الرؤى الملتزمون بالقواعد، والذين يمارسون حقوقهم الدستورية والقانونية، مهما احتدوا فى خلافهم واختلافاتهم فى حدود النقد المباح إلى حد الرفض الكامل والمناداة بالتغيير الجذرى.

ثم، لعله من المهم، دائماً وفى كل الأحوال، إعلان الإدانة الواضحة لاقتحام الشرطة لمبنى نقابة الصحفيين، فى انتهاك للقانون المنظم فى حالة ضرورة تفتيش النقابة. وهذه قضية ينبغى التعامل معها بمعزل عن ملابساتها، فلا شيء يخفف من حجم هذا الخطأ، لأن القانون المشار إليه لايستثنى حالات معينة من وجوب حضور النيابة العامة ونقيب الصحفيين أومن يمثله، ولم يعط للشرطة وحدها حق الانفراد بقرار التفتيش وإلقاء القبض على أى أحد داخل حرم المبنى. لذلك ينبغى تأييد النقابة، بل حثها، على أن تقوم بمسؤولياتها بكل السبل القانونية لإنزال العقوبة القانونية على الفاعلين وعلى من أصدر لهم الأمر، كما ينبغى التمسك برد الاعتبار للنقابة والنقيب وأعضاء الجمعية العمومية إزاء هذا الاستهتار بهم. ويُضاف إلى هذا طلب مستجد بخصوص رفع الحصار المفروض على مبنى النقابة وإعاقة الدخول إليه.

واجب النقابة فى هذه اللحظة ليس فقط التوصل لتسوية قانونية ترضيها، ولكن، أيضاً، ضرب المثل للنقابات والمؤسسات الأخرى فى كيفية الدفاع عن نفسها وعن أعضائها فى إطار القانون. وأيضاً، وضع كوابح لاتجاه فى الشرطة يتساهل فى انتهاك قواعد من الواجب مراعاتها والالتزام بها.

بعد كل هذا الوضوح، ينبغى الإقرار بخطأ أن يُستَغَل حرم النقابة من بعض أعضائها كساحة للاعتصام ضد تنفيذ القانون، والواقعة هنا عدم الامتثال لقرار النيابة بالضبط والإحضار، ويزداد الخطأ عندما تفسح النقابة مجالاً لاعتصام أحد من غير أعضائها.

دور النقابة فى هذه الحالة إقناع من يعتصم من أعضائها بوجوب تنفيذ القانون على أن توفر له الحماية القانونية المطلوبة، مع التنسيق مع أجهزة الدولة وشرح تعقيدات وأسباب عدم الإسراع فى تنفيذ المطلوب.

وفى كل الأحوال، ينبغى أن يظل الموضوع فى إطار أنه نقابى صرف، فلا مجال لخلطه بالانتماءات والنوازع والمستهدفات السياسية. وهذا هو ما اجتمع عليه أعضاء الجمعية العمومية للنقابة يوم الأربعاء الماضى تلبية لقرار مجلس النقابة، فى حشد غير مسبوق فاق حشود الجمعيات العمومية الرسمية المخصصة للانتخابات، فى حرص من المجتمعين على قضية تجمعهم بعيداً عن الانتماءات السياسة التى يفترقون فيها حسب انتماء كل منهم. لذلك تجاور مؤيدو السيسى كتفاً بكتف مع خصومه، على أرضية الدفاع عن نقابتهم التى يشتركون فيها معاً.

لذلك ينبغى أن يكون هناك إجابات وافية على عدد من الأسئلة: كيف أضيف إلى البيان الصادر عن هذا اللقاء ما لم يُذكر قط فى بيان مجلس النقابة المشار إليه، ولا فى أى نشرة من النقابة على أعضائها، عن اعتذار مطلوب من الرئيس السيسى ضمن مطالب النقابة، وهو فيما يُتوقَّع معه بالضرورة أن يفترق عليه هذا الحشد المختلف فى أمور السياسة؟

مَن منح نفسه حق أن يضيف هذه الإضافة تعبيراً عن رؤيته السياسية الخاصة، ودون اعتبار لرؤى الأخرين، بل حتى دون أن يمهد لهم بهذا، بل حتى بإجبارهم على الإذعان لما فعل؟

ثم، وكان غريباً أن لا يَكتفِى بعض هؤلاء بما "حققوه" ونسبوه إلى الجمعية العمومية، أو لأعضاء الجمعية العمومية فى اجتماع غير رسمى، بل ذهب إلى منبره وأضاف إضافة ذات مغزى أوضح فيها أن اعتذار الرئيس يجب أن يكون "رسمياً"! فى حين أن الكلمة لم ترد فى البيان المذكور!!

فكيف يا ترى يكون الشكل الرسمى؟ بافتراض أننا عرفنا كيف سيكون الاعتذار!

والسؤال المهم: هل هو مقتنع حقاً بإمكانية أن يتحقق مطلب اعتذار الرئيس بهذا الطرح الآمر الذى لا يدع للرئيس إلا أن يمتثل؟

المؤكد أن هذا المنحى، بتوسيع جبهة الخصومة، وبرفع درجات الخصوم، وبالحدة فى المخاصمة، سوف يُعرقِل بشدة التوصل لحل المشكلة الأساسية، إذا لم يكن قد جعل الأمر مستحيلاً. فهل هذا مقصود؟

السيف المسلط على من يعترض أو حتى يتحفظ، أنه من عبيد البيادة، وأنه يقبل الهوان الذى حاق بالنقابة وبأعضائها! فى حين أنه ذهب يصطف مع الآخرين للدفاع عن النقابة وأعضائها!

هذا باختصار موقف مجموعة سياسية ترى أن ما آلت إليه الأوضاع بعد 30 يونيو شراً مطلقاً، وبعضهم يرفض 30 يونيو من ناحية المبدأ. وهم يتفقون فى ذلك، عملياً، مع الإخوان وحلفائهم، ويفيدونهم، حتى إذا لم يحسبوا هذا.

وكأن هذا الاتجاه السياسى يتعمد أن تظل مشكلة النقابة بلا حل، لتضاف إلى مشاكل آخرى عالقة هنا وهناك! وكأنه يتعمد أن يضيف للرئيس حرجاً يبدو فيه معانداً لرأى نقابة مهمة تهتم وكالات الأنباء بأخبارها!

وهى افتراضات ليست غريبة على تيار سياسى ناشط يرى أصحابه أنهم نجحوا فى عملهم السياسى بمثل هذه الانجازات التى تعرقل العمل العام، بل تحاول أن تفشله، وتوفر موضوعات إعلامية للخارج، وتعطى أيضاً لبعض مؤسسات الخارج مادة يصدرون بها بيانات إدانة إضافية لنظام الحكم، ليعيدوا هم ضخها مرة أخرى منسوبة إلى هذه المؤسسات وكأنهم لم يكونون هم مصدرها، وربما مصدرها الوحيد!

هذه كلها ممارسات يجب أن تبتعد، أو يجب أن تُبعَد، عن اختيارات العمل النقابى.

ومرة أخرى، فليس فى هذا أى تأييد لسعى البعض فى المناداة بحل المجلس وإسقاط النقيب، مستغلين هذه الأخطاء وأخطاء أخرى! فهذه أيضاً ينبغى التصدى لها والإصرار على الانتظار إلى الانتخابات القادمة لتصحيح المسار، لمن يريد بالفعل تصحيح المسار. مع تذكيرهم بأن حل مجالس إدارات النقابات لا يجوز إلا بحكم قضائى (المادة 77). مع ملاحظة أن الموعد القانونى للانتخابات القادمة فى مارس القادم، وهى مدة أقل مما تأخذه المحكمة عادة فى أمر البت فى مثل هذه القضية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف