الوفد
كامل عبد الفتاح
خريف البطريك..
الملك: من هؤلاء الذين يتمردون على حكمى؟
وزير داخليته: إنهم الفقراء والمقهورون يا جلالة الملك
الملك: لا بد أن تقضى عليهم كما فعلت قواتك من قبل
وزير داخليته: هذه المرة الشعب كله خرج عليك سيدى
الملك: اقتل الشعب كله
وزير داخليته: ومن نحكم بعد ذلك سيدى؟
هذا الحوار جزء من رواية «خريف البطريك» لحائز نوبل الكولومبى، جابريل جارسيا ماركيز، وفى الرواية حاول ماركيز تأمل وتحليل شخصية الحاكم الديكتاتور وأيضًا شعبه حين يثور وحين يموت حيًا فى قبور الصمت والخنوع والخوف.. وبداية أقول لمن يتسرع فى فهم ما أكتب بأننى أقصد الإسقاط على اللحظة الراهنة فى مصر حكامًا ومحكومين أن هذا التصور غير صحيح، وبالأحرى غير منطقى، لأننى وإن كنت أختلف جزئيًا مع رؤى النظام وبعض من توجهاته، إلا إننى أعتبر تجربة حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى فى طور البدايات، ولم تنضج بعد وتستقر على أسلوب نسميه ونصفه.. هناك ما يقلق نعم، ولكن هناك أيضًا ما يريح.. هناك ما هو صادم، نعم، ولكن هناك ما قد يبقى على الأمل فى محطة الأمانى الممكنة.. رواية ماركيز الجميلة تتناول طبيعة الديكتاتور الذى يعيش شيطانًا ويصر أن يموت قديسًا.. الذى يقتل الآلاف ويتوضأ بدمائهم.. الديكتاتورية عند ماركيز جينات إن تمكنت من شخص صنعت منه مستبدًا وقهريًا وليس بالضرورة أن يكون الديكتاتور حاكمًا، ولكن روح الديكتاتورية تلبس الأفراد العاديين، هناك الزوج المستبد والمدير الدكتاتور والزوجة الدكتاتورة والضابط السادى.. أما الشعب المقهور الذى يثور بوجه جلاده، فإنه يفيق عندما يوشك على الموت قهرًا والخروج من الحياة إلى صحراء العدم.. هنا يثور ويسقط رمز التسلط والظلم، ولكن الشعوب مثل السفينة الضخمة لا يمكنها أن تدور فى المكان والزمان بسهولة.. ولذلك تعاود الشعوب المقهورة النوم لسنين طويلة، بل وهناك من البشر، برأى ماركيز، من يستعذبون العذاب والقهر وتختلط دماؤهم بدماء من يقهرهم ويفضلون الركوع أمامه وتتلاشى هنا المسافات بين الحاكم والإله.. الشعب المصرى ليس استثناء من باقى الشعوب التى عانت قرونًا من القهر والذل ولكن تأمل هذا الشعب الذى انتفض ضد حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك وإزاحة من فوق عرشه المكين الذى التصق به ثلاثين عامًا يجعلنا نتساءل.. هذا الشعب الذى ثار وأذهل العالم من حولنا لماذا بعد خمس سنوات من ثورته يبدو شعبًا مهلهلاً تائهًا تعانى معظم أطيافه من حالة ألزهايمر تاريخية وكأنه شعب نام خمسة آلاف عام، ثم أفاق ليجد نفسه فى ميدان التحرير – العالم غير العالم ولأول مرة يدرك أن بمقدوره أن يتخلص من حكم مستبد وفاسد وبعد الخلاص وجد نفسه أمام السؤال الأصعب وماذا بعد؟ هنا كان الإخوان المسلمون وباقى التيارات الدينية تعرف ماذا تريد وماذا عليها أن تفعل.. وبسهولة واصل الشعب غيبوبته ولا يزال وترك قدره لمن لا يرحم.. اليوم أستطيع أن أقول بأن المصريين المعاصرين هم الأسوأ بين مختلف الأجيال، لأنهم الأكثر انقسامًا وحيرة وإحباطا وكذبًا.. متلونون سطحيون لا يحترمون العقل ولا التفكير العلمى.. لا يتمسكون بفضيلة ويعادون أخلاق الحضارة والتحضر. وأعتقد أن ما قصده ابن خلدون فى مقدمته حين وصف العرب بأنهم أعداء العمران، وكان يقصد أهل البداوة منهم.. هذا التوصيف الابن خلدونى أعتقد أنه أصبح ينسحب على كل العرب، وفى مقدمتهم نحن.. بداية التغير مواجهة النفس وهذا ما سنتعرض له فى قادم القول..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف