محمد عبد العليم داوود
مجرد كلمة- أصل الحكاية: (توريث الغباء)
في اليوم التالي لمعركة الكرامة التي انتفض خلالها النائب المحترم طلعت رسلان لتوجيه ضربة موجعة لزكي بدر، وزير الداخلية، عندما تجاوز حدوده ووجه شتائم وسبابًا الي زعماء المعارضة ونوابها.. فتوقع العقلاء أن يتخذ «مبارك» موقفاً من الوزير ولكن الحقيقة ان «مبارك» كان مغادرًا البلاد وكان زكي بدر ضمن مودعيه فحرص «مبارك» علي حديث ودي مع زكي بدر، وكانت إشارة لوسائل الإعلام والصحافة بأن هذا هو الرد علي المعارضة وليس إقالة الوزير... ونشرت الصحف ونقل التليفزيون هذه الرسالة.... ولكن ما هي إلا شهور وقد انتفضت مصر ضد زكي بدر، وزير الداخلية، بسبب ما نشرته جريدة «الشعب» حينها علي لسان مراسلها الشاب صلاح النحيف.. لذا لم أندهش من حرص «السيسي» علي اصطحاب وزير الداخلية مجدي عبدالغفار بعد قيام أجهزته بمحاصرة نقابة الصحفيين والإشراف علي تشكيل عناصر البلطجة أثناء انعقاد الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين... حقيقة ان «مبارك» لم يقم بإقالة زكي بدر كونه سب المعارضين في مؤتمر بنها، بل لأنه تشجع وتخطي ذلك وخاض سباً في رموز النظام حينها ومن بينهم عاطف صدقي، رئيس الوزراء، وصفوت الشريف، وغيرهما لانه لم يجد من يوقفه عند حده.... وأما ما قاله «السيسي» انه ما بيخفش فطبعًا لم أجد رئيسًا في مصر ولا وزيرًا قال أنا باخاف.. و«مبارك» في عشرات المرات في خطابات وتصريحاته قال ما بخفش.. والله أعلم بأنه بيخاف والا مبيخفش.. لكن الحقيقة المؤكدة ان حاجز الخوف لدي الشعب قد انكسر في ثورة 25 يناير وفي انتفاضة الصحفيين في 1995 و2016.. ولو رجعنا الي خطاب «مبارك» في عيد الإعلاميين 1995 في أعقاب إصدار قانون 93 الشهير بقانون اغتيال الصحافة سنجد أيضاً ان الرئيس «مبارك» يقول لجلال عيسي، وكيل نقابة الصحفيين، ليس علي رأسكم ريشة عندما طالبه بإعادة النظر في القانون... ولكن ما هي إلا أيام وانتفض الصحفيون وجمعتهم قضية ضرب حريات الصحافة.. وتحدت الصحافة الشريفة بالتوسع في نشر قضايا الفساد في تحدٍ سافر للقانون المشئوم. وحدث انني كنت أول متهم في ظل هذا القانون وكان أستاذي جمال بدوي، المتهم الثاني بصفته رئيس التحرير، وتمت إحالتنا الي محكمة الجنايات.. لكن حينها كانت هناك شبه رؤية سياسية، فانتفاضة النقابة علي قانون 93 لم تكن إلا إرادة للجماعة الصحفية فعقد «مبارك» اجتماعًا مع مجلس النقابة، ثم حدث فيما يعرف بتجميد العمل بالقانون حتي صدرت تعديلات للقانون في 1996.. وأخطر شيء في أنظمتنا انه ليس علي قدر من الوعي.. في أن ينقلوا تجارب البلاد المتقدمة، كما حدث من محمد علي باشا، مؤسس مصر الحديثة.. لكن أنظمة الحكم وكهنتها أفضل من يتوارثون غباء الانظمة التي سبقتهم في الحكم.. مثلاً عندما أشرف النظام وأجهزته علي تجييش البلطجية لمحاصرة نقابة الصحفيين فهذا أيضاً موروث من نظام «مبارك» عندما اشرفت لجنة سياسات نجله علي محاصرة النقابة من قبل بالبلطجية وكانت ضحيتهم الصحفية «نوال» رحمها الله.. وتجييش البلطجية في موقعة «الجمل» التي كانت من أهم أسباب تخلي «مبارك» عن الحكم.. أما في عهد «مرسي» فتم أيضاً محاصرة مدينة الانتاج الاعلامي والمحكمة الدستورية... وبالمناسبة لا ينكر أحد أثناء حكم الإخوان انه كانت هناك كتائب الكترونية لمهاجمة معارضيهم واليوم تضاعفت هذه الكتائب الالكترونية لتشويه وسب المعارضين ويشرف عليها النظام الحالي.. ان الغباء أصبح يورث وتتناقله أنظمة الحكم في مصر.. وأنا لست مع دعوة النقابة لطلب اعتذار أي مسئول كائنًا من كان... وهذا ما قلته قبل اجتماع الجمعية العمومية بيومين لبرنامج «العاشرة مساء» مع الاعلامي وائل الإبراشي إنني ضد طلب الاعتذار أو استجدائه، لأن الصحفي الحر أقوي من أي مسئول برسالته تجاه المجتمع وإجبار المسئول علي الالتزام بأحكام الدستور والقانون.. لو الصحافة راعت ربنا وفتحت ملفات انتهاك النظام للدستور.. لتمني النظام أن تتكرم عليه النقابة بقبول اعتذاره.. نعم يا سادة سهل أن تأتيني بأي رئيس جمهورية أو وزير أو محافظ لكن صعب أن تأتي بصحفي وكاتب حر يناقش قضايا الامة بمنتهي القوة.. ونعم لم يكن «السادات» ينقصه الذكاء عندما قال ان الصحافة هي السلطة الرابعة.. فالصحافة هي صحابة الجلالة بما تنشره وتفجره من انتهاك للمواطن ليلاً نهاراً ومن حجم الفساد الذي انتشر في البلاد وأصبح اليوم متوجًا وحاشدًا للبلطجية.