لويس جرجس
مشهدان من تاريخ نقابة الصحفيين
احتشاد الصحفيين. طواعية. بالآلاف في نقابتهم الأربعاء الماضي دفاعًا عن كرامتهم وعن استقلال نقابتهم. أعاد إلي الذاكرة تاريخ هذه النقابة العريقة. التي بلغت من العمر والخبرات ما يكفي لاعتبارها واحدة من حصون الدفاع عن حرية الرأي في مصر.
المشهد الأول مخجل وأحاول نسيانه. ولكنه غصبًا عني محفور في الذاكرة لا يريد أن يغادرها. ربما يكون لحكمة هي ألا ننسي السلبيات ونحتاط لها في حاضرنا ومستقبلنا. ففي انتخابات الصحفيين المتتالية التي جرت طوال سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. كان يتم ـ للأسف الشديد ـ حشد صحفيي المؤسسات القومية بإغراءات لمنح أصواتهم لمرشح الحكومة.
ومعلوم أن الحشد كان يتم من أجل انتخاب المرشح الحكومي لمنصب النقيب ـ الذي تتصور الحكومة انه يضمن لها السيطرة علي أقلام الصحفيين ـ في مواجهة "العميل" الذي تجرأ وأقدم علي ترشيح نفسه للمنصب دون الوضع في الاعتبار هيبة الحكومة وكأنه يريد إهانتها والحط من قدرها أمام المجتمع. وللأسف. مرة أخري. كانت أساليب الترهيب والترغيب تنجح مع البعض ويتم انتخاب المرشح الحكومي لمدة سنتين. ثم يعاد التجديد له بذات الأسلوب مدة أخري وبعده يتم انتخاب مرشح حكومي آخر وأيضا بأسلوب الترهيب والترغيب وهكذا تمكنت الحكومات المتتالية طوال تلك الحقبة التاريخية من السيطرة ـ نسبيا ـ علي أداء الصحافة من خلال السيطرة علي النقابة وإن كان الصحفيون المشاغبون لم يستكينوا تماما لهذه السيطرة وظلوا يؤدون واجبهم نحو المجتمع بأمانة ملتزمين بخدمته كما يمليه عليهم ضميرهم الصحفي وهو ما أدي إلي الصدام بين الحكم والصحافة متجسدا فيما عرف بـ "أزمة القانون 93 لسنة 1995".
هنا نأتي إلي المشهد الثاني الذي يدعو للفخر وهو احتشاد الصحفيين في نقابتهم وخوضهم معركة اسقاط القانون 93 لسنة 1995. الذي قصدت به الحكومة تكميم الصحافة باختراع عقوبات جديدة تسلب حريتهم في المعارضة والانتقاد.
كان المشهد حينها تاريخيا حيث احتشد الصحفيون. بمن فيهم صحفيو المؤسسات الحكومية رغم أنف رؤساء تحريرهم ورؤساء مجالس الإدارة. الذين حاولوا بشتي السبل منع الصحفيين من الذهاب إلي بيتهم النقابي الذي يحميهم ويحافظ علي حرية الكلمة ولكنهم فشلوا وظل الصحفيون معتصمين في النقابة حتي تم اسقاط القانون المهزلة ونذكر للتاريخ أن النقيب وقتها كان من المدافعين عن الحكومة إلا أن ضغط جموع الصحفيين في جمعيتهم العمومية لم تترك له مجالا الا للدفاع عن حرية الصحفي.
وها نحن اليوم نري المشهد التاريخي يتكرر دفاعا عن كرامة النقابة وكرامة الصحفي. وحريته في أن يعمل لصالح المجتمع بما يمليه عليه ضميره. ودون أن يكون "علي راسه ريشة" كما يدعي البعض. لأنه جزء من المجتمع وما يسري علي المجتمع من قوانين يسري عليه. وفي المقابل فإنه يدافع عن حقه في الكلمة الحرة لمصلحة المجتمع دون تجاوز للقوانين.