عبد الرحمن فهمى
رحم اللَّه الدكتور السيد سالم
فقدت مصر أحد أهم خبراء طب الصدر في العالم. في صفحة وفيات عدد "الأهرام" الصادر أمس "السبت" نصف عامود لذكر دراساته وشهاداته في مصر والخارج. والمناصب الدولية والمحلية التي احتلها.. نصف عمود بالكامل!!.. إنه الأستاذ الدكتور العلامة الكبير السيد سالم. أحد رموز النادي الأهلي. وأحد أعمدته الشامخة. عضو مجلس إدارة دائم في الزمن الجميل.. لم يسع يوماً لكرسي المجلس. ولكن لإصرار الأعضاء. كان الكرسي محجوزاً له.. هناك أناس يضيف إليهم "الكرسي". أي كرسي. شيئاً ما.. وهناك غيرهم يضيفون للكرسي أهمية ما.. مثل الدكتور السيد سالم.
بجانب علمه الغزير وأستاذيته المثالية. في داخله "إنسان" يؤمن بأن من حق كل مواطن إنقاذه من الآلام.. كما من حق أي غريق يد تمتد له ليخرج إلي الشاطئ.
رغم مشغولياته العديدة.. بين محاضرات الجامعة وسفرياته لحضور مؤتمرات عالمية. يحتل بعض مناصبها الكبري. ثم العيادة.. رغم ذلك لا يتأخر قط عن أي طلب أو استغاثة بلا أي مقابل.
* * *
ــ لي تجربة معه..
أحد أبطال أكتوبر الكبار. انقلبت به السيارة وهو في طريقه إلي العين السخنة.. وتم نقله إلي مستشفي الجلاء.. وكانت المشكلة الصحية الكبري في الصدر.. واتصلت بي زوجته.. وهي من أعضاء الأهلي أيضاً.. وتمنت أن يزور الدكتور السيد سالم زوجها. الذي يعاني من التنفس.. بتليفون. مجرد تليفون علي موبايله.. لم يرد عليه لانشغاله في هذا الوقت بمحاضرة في الجامعة.. ولما قرأ الرقم علي تليفونه بعد ذلك اتصل بي.. وكان في مستشفي الجلاء يشرف علي المريض. أحد أبطال أكتوبر.. بعد مروره علي مدير المستشفي واصطحابه معه إلي حجرة المريض الكبير.. رجل يعرف الأصول أيضاً.
* * *
ــ وهناك حكاية أخري..
في أحد البنوك الكبيرة. في شارع عماد الدين.. كنت أقف في الطابور أمام أحد الشبابيك لصرف شيك ما.. فإذا بمن يضع يده علي كتفي. ويطلب مني أن أخرج من الطابور.. مشيت معه مع الحرص علي أن أقرأ اللافتة الموضوعة عند باب المكتب.. إنه المدير العام!!.. مدير عام البنك. الذي استدعي الفراش. وأخذ مني الشيك. ووقع عليه وقال للفراش: "هات الفلوس ومعها فنجان قهوة بسرعة".. ثم قال لي مدير عام البنك:
ــ أنت رئيس تحرير مجلة "الأهلي". وقطعاً علاقتك قوية بالدكتور السيد سالم.. أرسلت أحجز عنده في العيادة لزوجتي. فأعطوها موعداً بعد ثلاثة أيام.. أرجوك يا ريت يعالجها اليوم. وعيادته علي العموم في المساء!!!
.. وقد كان.. وعند خروجه من العيادة حوالي الواحدة صباحاً.. فهذه هي مواعيده.. تبدأ العيادة حوالي العاشرة مساءً. وتستمر حتي الساعات الأولي من الصباح.. البعض يجلس علي سلم العمارة لانشغال صالون الانتظار الكبير علي آخره!!
أعود فأقول: عند خروج مدير البنك. وجد التمرجي يعطي له ظرفاً فيه قيمة الكشف!!.. مجامل لأبعد الحدود.
* * *
بلدنا مليئة بالعلماء علي أعلي درجة. في كل التخصصات.. لا نتذكرهم إلا بعد الوفاة.. موعدي معكم غداً بإذن الله تعالي للحديث عن عالمين آخرين كبيرين جداً.