كان يوما قارس البرودة. عاني منه أحمد بن طولون.. والي مصر (254 ـ 270 هـ) وقد خرج إلي شاطئ المقس (ميدان رمسيس حالياً) يعاين الميناء ودار صناعة السفن الحربية يحيطه حراسه.. يلمح وسط الماء صياداً يلقي شباكه يطلب الرزق من الله.. يكفي أهله قد تفرحه الشباك أو تخذله.. لكنه مستمر رغم قسوة الطقس وهلاهيله التي بالكاد تستر جسده النحيل فما بالك بالبرد.
رق قلب الوالي المدثر بالصوف.. فأمر غلامه نسيم منح الصياد 20 ديناراً ذهبيا دفعة واحدة.. وأكمل طريقه يتوقف علي ولولة صبي الصياد يطلب العون.. فقد مات أبوه .. يعود سريعاً.. يظن أن أحد حراسه طمع في المال فقتل الصياد فأمر غلامه بتفتيشه فوجد الدينارات كما هي.. وقال هذا هو من قتل أبي.. وأشار إلي نسيم.. فسأله كيف؟. قال أعطاه شيئا أخذ ينظر إليه ويقربه من عينيه ثم سقط ميتاً.
< < <
ندم ابن طولون وقال ادفنوه وأعطوا المبلغ لابنه الذي رفض: فهي أموال قتلت أبي وقد تقتلني.. فأمر له ببيت ووضع اسمه في أصحاب الجرايات الذين يحصلون علي الطعام من الدولة.. فقد اعترف مباشرة أنا الذي قتله.. فمع البسطاء يجب ألا يكون الثراء دفعة واحدة تفقدهم توازنهم وحياتهم ويجب أن يمنحوا الأموال بالتدريج حتي يعتادوها ولا يقتلهم هبوطها المفاجئ بلا تمهيد.
< < <
حكاية من تاريخ المقريزي.