مايكل عادل
اليوم العالمي لحريّة الـ”أي حاجة”
وهكذا فيما يبدو أن العام 2016 هو عام المفارقات التاريخيّة، ويبدو أيضاً أن هذه المفارقات والصُدَف المُضحكة المُبكية لن تكف عن مباغتتنا، ففي يوم عيد العمّال وقبل يوم واحد من اليوم العالمي لحرية الصحافة قررت وزارة الداخلية أن تحتفل بصحفيي مصر على طريقتها الخاصة جداً، وقامت باقتحام نقابة الصحفيين والاعتداء على الأمن الإداري للنقابة وإلقاء القبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا من داخل النقابة.
ولاكتمال المفارقات الظريفة فإن متحدثاً باسم وزارة الداخلية قد خرج على الإعلام معلناً بأن الصحفي “عمرو بدر” لم يكن عضواً بالنقابة، مع العِلم بأن بدر كان مرشحاً لعضوية مجلس نقابة الصحفيين. وهكذا وبذات الطريقة وعلى النحو نفسه تغرقنا الأحداث والظروف بالمفارقات، ولا تضنّ علينا الحكومة ببعض الحشو الظريف لتكتمل المُضحكات المُبكيات.
أمّا المفارقة الثالثة هنا هي أن يتزامن اليوم العالمي لحرية الصحافة، مع تصريح الكاتب السعودي “جمال خاشقجي” بأنه –على نحو تعبيره- ليس من المقبول أن يكون الدكتور أحمد السيد النجّار على رأس مؤسسة الأهرام المصريّة، وبالطبع لم يشاهد السيد خاشقجي خطابات الحكومة المصريّة ورئيس الجمهورية التي تتحدث عن رفض الدولة المصريّة للإملاءات الخارجية، قد يكون بالفعل لم يشاهدها أو قد يكون شاهدها ونساها أو أن لديه بعض العَشَم في أن يحصل على استثناء وأن نقبل بعض الإملاءات الخارجية إن كانت من جهته.
وكذلك يبدو أن النجّار قد أغضب المملكة كثيراً الفترة السابقة بعد رفضه لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية والتي تضمّنت ضم جزيرتي “تيران” و”صنافير” المصريّتين لحدود المملكة، أو ربما يكون قد أغضبهم قبل ذلك بقليل حينما دبّت مشاجرة بينه وبين “القطّان” سفير المملكة بمصر حينما حدّثه بشكل غير لائق عن مصر مما أثار غضب النجّار وأدى إلى نشوب الشجار بينهما. كل تلك الاحتمالات مطروحة، ولكن هل سيستطيع أحد أن يتسبب في عزل رئيس مجلس إدارة أكبر مؤسسة صحفيّة في الوطن العربي؟ وهل سيستجيب أحدهم لتلك “الإملاءات الخارجيّة”؟
وفي الوقت الذي صعدت فيه وكالات ومؤسسات إعلاميّة من العَدَم إلى القمّة وأصبحت مصادر للمعلومات ومحرّكات فارقة في الرأي العام العالمي، نجد مصر التي تمتلك مبنى الإذاعة والتلفزيون ومدينة الإنتاج الإعلامي ومؤسسات الأهرام وأخبار اليوم والجمهوريّة وروزاليوسف وإصدارات الهلال، تخلو من أي تجربة إعلامية ذات صدى عالميّ وتعج شاشاتها بإعلاميين يخرجون هنا وهناك ليسردوا على المشاهدين وجهات نظرهم الشخصية ويصيحون ويصرخون ويسبّون ويحرّضون ويهاجمون هذا وتلك اعتباطاً.
في الوقت الذي أصبحت تدار فيه الحروب بآلاتٍ إعلاميّة أصبحنا نجد السُلطات في مصر تقتحم نقابة الصحفيين وتعاقب الصحفيين على صحافتهم، ثم تعود وتغضب لأن مؤسسة مثل “الجزيرة” استطاعت أن تفرض أجندتها المشبوهة وتسوّق لها عالمياً وتستغل كل القصور وضياع الرؤية في مصر لأغراضها الخبيثة. وكأن مسؤولونا لم يسمع أحدهم من قبل بالمثل الشعبي القائل “امشي عِدِل، يحتار عدوّك فيك”.