البديل
أحمد بان
اقتحام الصحافة في المعنى والمبنى
تابعت باهتمام وحزن غضب جموع الصحفيين على اقتحام مبنى النقابة العريقة، الذي يحتفظ برمزية لدى قطاعات واسعة من المصريين، حيث جسد منذ العام 2004 مساحة محررة للنقد والمعارضة للنظام السياسي المصري، وقد لعبت النقابة عبر سلالم مبناها دورًا مهمًّا في قيادة حركة الثورة ضد نظام مبارك، وانطلق من مبناها العديد من الصيحات في وجه هذا النظام، سواء عبر احتضانها مظاهرات حركة كفاية، التي كانت صيحة القوى الوطنية في مواجهة التمديد والتوريت والطوارئ، أو الجمعية الوطنية للتغيير أو احتضان كل حركات المعارضة، وصولًا لمشهد 25 يناير، الذي امتدت فيه سلالم النقابة إلى كل ميادين مصر، في ثورة لم تهدأ وعرفت مشاهدها حكم الإخوان، الذى أعقبه حكم السيسي، الذي تم تسويقه باعتباره عودة للدولة الوطنية الحديثة، التي لم نلمح آثارها حتى اليوم، بينما تصفع وجوهنا كل يوم مشاهد الدولة الأمنية غليظة العصا، التي لم تعد بحاجة إلى أصباغ زينة لتخفي وجهها القبيح والقديم بالمناسبة.

ربما ما أزعجني أكثر أن ينتفض الصحفيون لاقتحام المبنى، الذي لا يساوي شيئًا أمام معنى حرية الصحافة أو الإعلام، التى تعرضت فيما تعرضت له الحرية في العامين الماضيين، لأول عملية قتل منظم وممنهج، حيث انخفض سقف الحريات على نحو مخز، هذا الذي صنعته دماء وتضحيات الشهداء من 2004 وحتى ثورة 25 يناير، إضافة إلى وقفات بعض الشرفاء الوطنيين ممن لم يتوقفوا عن الدفاع عن حرية الإعلام، رغم ما أصابهم من وصب وغم وألم.

أيها السادة هل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها، لما التفتم للسلخ بهذه الهمة ولم تنشغلوا بوقف الذبح الذي جرى تحت أعين الجميع، هل يتوقف نظام عن انتهاك حقوق أبناء مهنة وهو الذي أصابت انتهاكاته الجميع، كيف تشهر سيف قانون النقابة في وجهه وهو الذي أطاح بالدستور والقانون وهمش الرأي العام واحتقره في كل المشاهد؟!

الحقوق لا تتجزأ نقابة الصحفيين لا تختلف عن نقابة الأطباء أو نقابة الفلاحين، كلنا مواطنون مصريون ذبحت حقوقنا بدم بارد، وما زال العرض مستمرًّا، أسوأ شيء تتعرض له قضية الحرية والتغيير، أن تنقسم بين حقوق لفئة ممتازة وحقوق لفئة أقل امتيازًا، حق الصحفي هو حق الراجل في الطريق في طريق أمن ومعاملة آدمية من الشرطي أو غيره في كل ساحة أو ميدان.

نحن أمام نظام يفعل ما يفعله إخلاصًا لمفهومه عن التنمية والبناء والحفاظ على الوطن من تهديدات حقيقية أو متوهمة، ومعارضة بعضها ينشغل بسفاسف الأمور، غافلًا عن الطريق الصحيح للتغيير، وهو بناء البديل عبر هياكل سياسية وأحزاب لها هياكل تنظيمية ممتدة بطول البلاد وعرضها، النظام يتحرك بهاجس الخوف من قوى تريد هدم المعبد على رؤوس الجميع، لذا هو يتوجس من الجميع ولا يستثني أحدًا، أما الثوار في البيوت أو الميادين، فهم لازالوا يعتقدون في صلاحية الميادين طريقًا للتغيير، غير آبهين بمخاوف النظام بحق أو بباطل على بنية الدولة المهددة، هؤلاء بالتحديد مدعوون لإعادة قراءة المشهد بشكل متكامل وليس بالقطعة، وبردة الفعل الجزئية مرة في الدفاع عن نقابة أو ناشط.

مصر بحاجة إلى من يقدم البديل لكل تلك الرؤى والسياسات التي تنتج لنا هذا النمط من الحكم، الذي بالمناسبة ما زال يتمتع بقدر كاف من الشرعية والشعبية، التي لم يقل لنا الثوار كيف يرونها، احرصوا على المعاني قبل المباني، فمن لم يحترم المعنى لن يقدر المبنى أو يحفل به، لا تضيعوا الأوقات في خطط إشغال وهمية، مظاهرات تقل أعدادها أو تكثر تنعقد لتنفض، ليس بالإمكان إعادة مشاهد يناير، انتبهت أعصاب الدولة القديمة والفضل للإخوان، عقارب الساعة لن تعود للوراء صوبوا أعينكم نحو المستقبل، اصنعوا البديل لكل تلك الممارسات، اصنعوا لمصر نظامًا آخر قوامه أفكاركم، أحلامكم، طموحاتكم، قدراتكم التي أثق أنها الأفضل، لكنها حتى اليوم مبعثرة، تتبدد طاقاتها على سلالم النقابة، أو في زاوية من ميدان لم يعد لكم.

انتظموا عبر حزب واحد في ميدان السياسة، الذي سيزاحمكم فيه النظام بخشونة، نعم، لكن ملاعب السياسة تبقى أقل وطأة وأقوم قيلًا من ملاعب الثورة التي مضى قطارها إلى محطة لم نكن نريدها، لكنه مضى.

الصحافة في النهاية صوت يقول ماذا جرى، فغيروا ما يجرى لتحظى الصحافة مبنى ومعنى بما تريدونه من حرية وقداسة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف