في بداية خمسينيات القرن الماضي كتب أستاذنا الدكتور أحمد زكي مقالاً في "الهلال" عن محاولات الوصول إلي القمر. وضع تلك المحاولات في إطار المستحيل. وأن العلاقة بين سكان كوكب الأرض والأجرام السماوية الأخري ستظل مقتصرة علي قصائد الشعر في التغني بجمال القمر. والانشغال بإحصاء نجوم السماء. وإبداع الأعمال الأدبية والفنية التي تصل ما بين سكان كوكب الأرض والسكان المحتملين في الكواكب الأخري.
تلاحقت الثورات منذ حوالي تلك الفترة: ثورة المواصلات. ثورة الاتصالات. ثورة الهندسة الوراثية. ثورة الإلكترون. ثورة الإعلام. ثورة المعلومات. وغيرها. وذهبت اجتهادات إلي أن هذه الثورات المتلاحقة تفوق من حيث التأثير ما شهده العالم من تقدم معرفي منذ بداية التاريخ.
ماذا عن الزمن القادم؟ السنوات العشر القادمة في أقل تقدير؟
التنبؤات العلمية ــ طبقاً لتجارب عملية وتكنولوجية تحدث الآن ــ تتحدث عن حاسوب آلي قادر علي إجراء الحسابات بسرعة عشرة آلاف تريليون دورة في الثانية. أي ما يوازي سرعة المعالجة في الدماغ البشري.
تشير التنبؤات كذلك إلي إنترنت شامل يقوم بتوصيف شبكات الروابط بين الأجهزة والأفراد. وأساليب العمل والبيانات. وفي سنة 2025 سيتخطي الإنترنت مائة مليار. جهاز متصل بالعشرات من أجهزة الاستشعار. تتولي جمع البيانات. مما ينشئ اقتصاداً بأجهزة استشعار بقيمة تريليون دولار. يشكل قاطرة لثورة البيانات التي تتجاوز الخيال.
ونتيجة لوجود ذلك الكم الهائل من أجهزة الاستشعار عن بعد. فسيمكن جمع البيانات بواسطة السيارات وأنظمة الساتلايت والطائرات بدون طيار والكاميرات والأجهزة القابلة للارتداد. وباختصار. فإنه سيمكن معرفة كل ما نريده في أي مكان أو زمان. والعثور علي أجوبة دقيقة.
وتعد المؤسسات العاملة في مجال الإنترنت توفير التواصل العالمي لكل كائن بشري علي الأرض بسرعة تفوق الميجاوات الواحد في الثانية. كما يتاح الحصول ــ بالسرعة نفسها ــ علي معلومات عن العالم بواسطة جوجل. فضلاً عن الطباعة الثلاثية. وخدمات الإنترنت. والذكاء الصناعي. والتمويل الجماعي. والتزود الجماعي. وغيرها.
أما مؤسسات الرعاية الصحية فإنها ستزول مع ظهور نماذج أعمال جديدة بخدمات رعاية أفضل جودة. وأكثر كفاءة. كما ستعني آلاف الشركات العاملة بتصنيع وتطوير البرمجيات والحواسب بقطاع الرعاية الصحية بنماذج أعمال جديدة. تضفي طابعاً غير مادي. وغير نقدي. وديمقراطي علي منظومة اليوم البيروقراطية وعديمة الكفاءة. وهو ما أثبته الإنترنت في مجالات الاتصالات من بريد وهاتف وتلغراف. ذلك كله أوشك أن يصبح من الماضي.
ثمة كذلك النظارة التي ستحل مكان الشاشة الحالية علي الهواتف والحواسب وأجهزة التليفزيون. وتشمل مجالات الحياة المختلفة. وسيكون من الطبيعي استخدام الدخول بالذكاء الصناعي لسماع جميع المحادثات. وقراءة البريد الإلكتروني. ومسح البيانات الخاصة. كما يطرح ابتكار يتيح التحويلات المباشرة والآمنة ــ دون وسيط ــ للقيم والأصول.
يبقي أن مخيلة المبدعين وتنبؤات العلماء تقصر عن تصور زمن العلم القادم. وهو ليس بعيداً. فللثانية تأثيرها في إلغاء التصورات. وإحلال منجزات فعلية بدلاً منها!