بعد لف ودوران في شوارع حدائق القبة كلها.. من أولها إلي آخرها.. بعد ان شاهدت وشاركت في أغلب مباريات الكرة الشراب التي تدور هنا وهناك.. قرصني الجوع.. ولا مفر من العودة إلي البيت لكي اتلقي جزاء سرقة شنطتي المدرسية ثمنا لمغامرة القفز من السور مثل غيري.. هي مصنوعة من القماش الرخيص الذي يفيض من مريلة المدرسة وكان قماشها يميل إلي الصفرة ومنه تصنع مرايل التمورجية في مستشفيات الحكومة ومنه أيضا يصنعون قمصان الاكتاف التي يصطادون بها زبائن مستشفي الأمراض العقلية فهل لهذا علاقة ان نترك حدائق القبة ونتجه إلي الخانكة التي ارتبط اسمها بمستشفي المجانين وهي أقرب إلي خوانق المتهدمة أو أماكن ابتعادهم عن الناس؟!
سؤال نتركة للاجابة عليه في حينه .. ونتوقف أمام العلقة التي كانت منتظرة ومتوقعة بعد تحقيق مطول وفي اليوم التالي ذهبت إلي المدرسة تسأل ولا يجيب وبعد السؤال بدأت تتوسل ان تتبرع لي الست الناظرة بما تيسرمن الكتب الضائعة.. حتي أكمل مسيرتي التعليمية.. كان ابي الذي يقرأ الجورنال ويحرص علي ان يشتري الأخبار يوميا يراهن علي وفي عهده ان يعوضه عن عدم اكمال تعليمه لهذا كانت مسألة ضياع شنطة المدرسة نذير شئوم واشبه بهزيمة عسكرية مدوية..و سأعرف فيما بعد ان كتب المدرسة تباع برخص التراب علي الأرصفة وانها متوفرة في عشش الفراخ لمن سبقونا في السنة الدراسية فلا أحد يطبق الاحتفاظ بها كأنها الجرب ظهيرة آخر امتحان أو قبل ذلك ان شئت الدقة.
هنا تطل صورة أبلة عنايات بوجهها القمحي وشعرها الأسود المعقود في نهايته بذيل الحصان في تسريحة لم تغيرها طوال فترة الدراسة مع الجيب الواسع أبوكورنيش والبلوزة المحبوكة التي تلتقي مع الجيب في منطقة الخصر الضيق.
كانت تدرس لنا اللغة العربية ولأني أحب حصتها أصبحت صورتها وهيئتها ومازلت احتفظ بملامحها حتي ساعته وتاريخه.. وعلي الجانب الآخر أبلة يسرية مدرسة الحساب التي سألتني في مودة "لاحظت انك شاطر في العربي وضعيف في الحساب.. أنت حكايتك ايه"؟
وكانت أسرع اجابة وجدتها علي لساني "يا أبلة أنا عندي بلهارسيا"!!