ثمة مسئول قوي يحيل ضعف المؤسسة التي يديرها خلية عمل. تشغي بالحياة. وتفرض وجودا مؤثرا في المجالات التي ترتادها. وثمة - في المقابل - مسئول ضعيف يجعل المؤسسة ذات الطاقات الهائلة والتأثير. كيانا هزيلا. يفتقد إمكانية البقاء والاستمرار.
كان حسين مهران مثلا للمسئول القوي. جعل من الثقافة الجماهيرية "هيئة قصور الثقافة فيما بعد" مؤسسة مهمة. لها نشاطها الوافر في مجالات العمل الثقافي.
أثيرت ملاحظات حول أداء حسين مهران. لكن الذي يصعب إغفاله هو النشاط الذي جعل الثقافة الجماهيرية وزارة مصغرة للثقافة. شملت أنشطتها ما تنهض به هيئات الوزارة الأخري. ليست أنشطة موازية. أو متداخلة. فلكل هيئة أداؤها. جاء نشاط الثقافة الجماهيرية أشبه بالنماذج الإبداعية التي تصل بالعمل الثقافي إلي أبعد وأصغر قرية في أقاليم بلادنا.
ثمة المسرح والسينما وفرق الموسيقي والفنون الشعبية وأندية الأدب والفنون التشكيلية والتطبيقية والنشر والمكتبات وأندية العلوم. جمعت قوافل الثقافة ذلك كله. وإن لم يتح لها الاستمرار. وغابت أنشطة أخري. بعد إحالة حسين مهران إلي المعاش.
تفهم الرجل جيدا معني العمل الإداري. وأنه ليس مجرد حرص علي توقيع العاملين في دفاتر الحضور. ولا هو سيطرة وخصم وشخط ونطر. لم يكون شلة. ولا ناصر مجموعة من العاملين علي حساب الآخرين. وفتح مكتبه للجميع. سواء في الإدارات المركزية أو إدارات الأقاليم. وبث في أمانة مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم روحا جديدة. فصار المؤتمر قوة ضاربة حقيقية للعمل الثقافي في أقاليم مصر.
إذا كان فاروق حسني قد بدل تسمية الثقافة الجماهيرية لدواعي الوجاهة. فإن حسين مهران ظل علي حرصه في أن تصير الثقافة مكونا رئيسا في المجتمع المصري. ليست ضجيجا. ولا هي مجرد أنشطة زائدة أو ترفيهية. بل إنها تستهدف صياغة المواطن المصري ثقافيا. بإثراء حصيلته المعرفية. وتنمية حسه الجمالي. وصقل موهبته الإبداعية. وإتاحة الفرص لمن يستحقوها. بصرف النظر عن ظروفهم الاجتماعية. أو ابتعادهم عن مركزية العاصمة.
بضدها تعرف الأشياء. وإذا أردت أن تتعرف إلي قيمة الفترة التي أمضاها حسين مهران في رئاسة الثقافة الجماهيرية - هذه هي التسمية التي أفضلها - فما عليك سوي مراجعة الفترات التالية. كيف صارت الهيئة جهازا وظيفيا مثقلا بالعمالة.
أعرف أن دراسة القانون هي المجال الذي تخصص فيه حسين مهران. لكنه أجاد تطويع حصيلته المعرفية في فهم احتياجات المواطن المصري من العمل الثقافي. وأتاح الفرص لعشرات المبدعين حتي يحصلوا علي موضعهم في صدارة المشهد.