عبد القادر شهيب
شيء من الأمل - والقتل باسم الوطن إرهاب
لم يحدث أبدا أن عملية قتل لأي حاكم أو مسئول كبير فتحت الباب أمام حدوث تغيير سياسي، بل لعلها كانت تغلق هذا الباب وقتها ولفترة من الزمن
أخطر من الدعوة للقتل باسم الوطن هو عدم الاكتراث من قبل البعض منا بهذه الدعوة أو الاستهانة بها، أو التعامل معها علي أنها عبث صغار ومراهقين يعانون من داء الاندفاع.. وهذا ما نلمسه الآن للأسف في تناول بعض الزملاء والزميلات وهم يتناولون أزمة نقابة الصحفيين مع الداخلية.
وبعيدا عن قضية الزميلين اللذين تم القاء القبض عليهما من داخل مبني النقابة والمفروض حول التحقيقات فيها حظر نشر من قبل النيابة نرجو الغاءه قريبا، فإن الدعوة للقتل باسم الوطن لا تختلف في جوهره عن الدعوة للقتل باسم الدين.. كلاهما تحريض علي القتل.. وكلاهما ارهاب.. والارهاب في أي ثوب ومن أجل أي هدف يتعين أن يكون مرفوضا منا جميعا.. فمن يقتل بهدف السرقة أو لإخفاء جريمة الاغتصاب مثله كمن يقتل من أجل حماية الدين واعلاء شأنه، ومثله أيضا كمن يقتل بدعوي الوطنية أو انقاذ الوطن واعلاء شأنه.
القتل هو القتل.. اللهم إلا إذا كان القتل دفاعا عن النفس أو نتيجة قتال ضد غاصب أو محتل للأرض.. أما القتل من أجل تحقيق تغيير سياسي أو تغيير حكم فهو فوق كونه نوعا من السذاجة السياسية فهو أيضا ارهاب لا يختلف عن القتل باسم الدين.. ان من يقتل باسم الدين كما خبرنا من تاريخ طويل في ممارسة العنف عشناه ومازلنا نعيشه من قبل جماعات دينية كانت له دوما أهداف سياسية أخري لا علاقة لها بالدين.. وإنما هو استخدم الدين للتغطية علي هذه الأهداف ولكي يتمكن من اغواء وتضليل الشباب الذي يحولهم إلي قتلة ومخربين.. وذات الأمر ينطبق أيضا علي من يقتلون أو يدعون للقتل باسم الوطن.. انهم أيضا يستخدمون الوطن لتغطية أهداف سياسية أخري خاصة بهم ويسعون لتحقيقها ويستخدمون الوطن لتضليل واغواء الشباب ليمارسوا العنف والقتل والتخريب.
ولذلك.. إذا كنا نرفض القتل باسم الدين أو القتل الذي يقوم به أفراد ينتمون لجماعات دينية، فإننا بذات العذر يجب ان نرفض القتل باسم الوطنية.. أما الاستهانة بمثل هذه الدعوات للقتل باسم الوطن، أو التقليل من شأنها والتعامل معها علي أنها عبث صغار ومراهقين لا يدركون، فهو من شأنه تشجيعهم علي الانخراط في عمليات عنف وقتل.. وإذا كان هؤلاء يستهدفون قتل غيرنا، فإنهم سوف يسعون في الغد إذا اختلفنا معهم لقتلنا نحن.. فما دمنا قبلنا أو سكتنا علي دعوة قتل الخصوم السياسيين سواء باسم الدين أو باسم الوطن فإنه يأتي علينا الدور لنصبح مستهدفين بالقتل من قبل خصومنا السياسيين أو من لا تروقهم مواقفنا السياسية.. وهذا هو الخطر بعينه، الذي لا يدركه البعض منا أو يهونون منه لغرض في نفس يعقوب، أو ربما لعدم الوعي بأن القتل كان دائما لا يفيد سياسيا، بل هو دائما لا يلحق فقط الأذي والضرر بمن يمارسه أو يحض عليه، وإنما يؤذي أيضا الدين الذي يتم القتل باسمه ويضر الوطن الذي يتم القتل تحت رايته.
ان تاريخنا، خاصة الحديث حافل بحوادث القتل.. ولعل أشهر وأكبر عمليات القتل في هذا التاريخ الحديث هي عملية قتل رئيس وزراء (النقراشي)، وعملية قتل دولة (السادات)، وعملية قتل رئيس برلمان (المحجوب).. وفي أعقاب قتل رئيس الوزراء تعرضت الجماعة التي تورطت في هذا القتل وهي جماعة الاخوان لأول وأكبر وأخطر أزمة تعرضت لها منذ انشائها وقتل مؤسسها.. وذات الشيء حدث بعد قتل رئيس الدولة فقد تعرض التنظيم الذي تورط فيه، وهو تنظيم الجهاد الموحد لملاحقة أمنية واسعة وتم ايداع كل قادته في السجون.. وتكرر الأمر أيضا بعد قتل رئيس البرلمان فقد تمت تصفية التنظيم المتورط في القتل، وهو تنظيم الجماعة الإسلامية، واضطر قادته فيما بعد لإجراء مراجعات فكرية أعلنوا فيها نبذهم للعنف.
ولم يحدث أبدا أن عملية قتل لأي حاكم أو مسئول كبير فتحت الباب أمام حدوث تغيير سياسي، بل لعلها كانت تغلق هذا الباب وقتها ولفترة من الزمن.. أي أن القتل سواء المتدثر باسم الدين أو المتجمل باسم الوطنية لا يحقق الأهداف السياسية لمن يتورطون فيه.. وإنما هو يؤذيهم ويضر بالدين والوطن معا.. وقد رأينا كيف شوهت عمليات القتل التي قام ويقوم بها تنظيم داعش الدين الإسلامي وأساءت اليه وحرضت البعض ضد المسلمين لدرجة ان المرشح الأوفر حظا في السباق الرئاسي الأمريكي يدعو لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.. ورأينا أيضا كيف راجع تنظيم الضباط الأحرار الذي كان يتزعمه جمال عبدالناصر نفسه في عمليات الاغتيال السياسي عندما اكتشف بعد حادث اغتيال أمين عثمان عدم جدواها في تحقيق ما ينشده من تغيير سياسي.
لذلك.. أرجو أن نرفض كل وأي دعوة قتل سواء باسم الدين أو باسم الوطن وبحزم.