أشرف الصباغ
الخيط «الرقيع» بين نقابة الصحفيين وموت أولادنا في حلوان
من الواضح أن هناك حملة غير مسبوقة لتجهيز المصريين لكل شيء. وهي حملة قائمة على الشعوذة الإعلامية بالدرجة الأولى، ومرتبطة بالواقع المشعوذ الذي يعيشه المصريون في الفترة الأخيرة. ومع ذلك، فهناك مقاومة مستميتة من جانب قطاعات شبابية مختلفة ونقابات لمواجهة حالة الشعوذة القانونية والإعلامية والبورنو السياسي التي تحاول السيطرة على المجتمع المصري، ورصه في شكل هندسي كلاسيكي عتيق خلف أي تهويمات.
إن الربط بين العملية الإرهابية الخسيسة في حلوان وحريق العتبة وحريق مديرية أمن الجيزة، حتى وإن كان بـ"خيط رفيع"، وبين احتجاجات نقابة الصحفيين والتظاهرات التي خرجت ضد التخلي عن جزيرتي تيران وصنافير، من شأنه ليس فقط إشاعة السخرية والاستهزاء، وإنما أيضًا تسييد الشعوذة الإعلامية والبورنو السياسي.
والأخطر من ذلك، أن مصر على أعتاب تشييد قاعدتها النووية وبناء محطات ومفاعلات ودخول عصر الذرة الذي كان يجب أن تنتهي من دخوله منذ 40 عامًا مضت، حيث كانت قد بدأته في عام ١٩٥٨ قبل دول كثيرة. وخطورة الأمر تتمحور حول ليس فقط التخلف العلمي والقدرية والفوضى والاستهتار والاستسهال وانعدام المسؤولية وغياب القانون، بل وأيضًا حول الشعوذة كنمط حياة وطريقة تفكير ونسق اجتماعي. وبالتالي، فالربط بين حادث إرهابي وحريقين وبين احتجاجات نقابية وشعبية يوقعنا في فخ الرعب "النووي". وتماشيًا مع حالة الشعوذة السائدة، فليس من المستبعد أن نربط بين انقطاع حبل غسيل على أحد أسطح بيت في سيناء أو بلكونة في الوادي الجديد أو السلوم، وبين عطل مفاجئ في أحد مفاعلاتنا النووية المستقبلية. ولا يمكن أن نستبعد الربط بين عطل فني بأحد الأوتوبيسات على كورنيش الإسكندرية وبين حادث إرهابي في المهندسين أو على كورنيش النيل في القاهرة.
في زمن الشعوذة والرقاعة والبورنو السياسي والإعلامي يمكننا أن نتوقع أي شيء وكل شيء. ولكن المشعوذين والرقعاء وهواة البورنو غير منتبهين على الإطلاق لآفاق واتساع مخاطر الإرهاب. ولأنهم رقعاء، فهم يستخدمون الأكليشيهات الجاهزة لتصفية الحسابات والكيد والانتقام.
وفي نهاية المطاف، تروح أرواح أبنائنا مجانًا وبالصدفة وعن طريق الأخطاء المهنية والمنهجية.
عندما نقرر أن ينزل رجال الشرطة ومكافحة الإرهاب بثياب مدنية وبأيديهم الأسلحة إلى الشوارع، ولا نفكر في الوقت نفسه في تداعيات ذلك وما يمكن أن تسفر عنه مثل هذه الخطوة، فإن ذلك يعد من الأخطاء المهنية والمنهجية في عمل أي مؤسسة. عندما يستهتر رجل الشرطة نفسه بالقانون، وينزل بثيابه المدنية ممسكًا بسلاحه إلى الشوارع والبيوت ويتعامل باستعلاء ولا يظهر هويته الرسمية ويعتدي على أي مواطن مطلوب أو غير مطلوب، وفي الوقت نفسه لا يدرك مسؤولية ما يفعله، ولا تدرك وزارة الداخلية أو النيابة تداعيات ذلك والكوارث التي يمكن أن تنجم عن مثل هذه الممارسات، نكون قد وصلنا إلى آخر مراحل الاستهتار ليس فقط بالقانون وبالمجتمع وبالدولة، بل وأيضًا بأرواح أبنائنا في الشرطة والقوات المسلحة، وحياة المواطنين المدنيين العزل.
حادثة حلوان الخسيسة ارتكبها مدنيون مسلحون في سيارة، أي ببساطة لا يستطيع المواطن أن يفرِّق بين مدنيين مسلحين في سيارة عادية أو حتى في سيارة شرطة، لأن الإرهابيين يمكنهم أن يستولوا على سيارة شرطة أو يضعوا لوحة أرقام تشبه لوحات وزارة الداخلية. ربما يكون عامل عدم التنسيق أحد الكوارث. ولكن من أين لرجل المرور، مثلا، أن يفرق بين سيارة بها مسلحون مدنيون، وأخرى بها مسلحون يرتدون ثيابًا مدنية؟
هكذا يمكن للإرهاب أن يبرطع في الداخل المصري بملابسه المدنية وأسلحته ويفر من مكان الحادث. وهكذا اختلطت الأوراق وتهدمت الحدود بين من يحمي المجتمع من الإرهاب، وبين الإرهابي، بسبب أن الأول تعامل باستهتار مع القانون ومع الضرورات وسمح لنفسه بارتكاب أخطاء مهنية ومنهجية ومن دون أي عقاب أو لفت نظر أو مراجعة.
من الصعب أن نربط بين سرعة الطائرة فوق البحر المتوسط، مثلا، وارتفاع شجرة في إحدى الغابات الاستوائية في إفريقيا. ومن الأصعب أن نجد "خيطًا رفيعًا" بين تهويمات مشايخ المهن المختلفة والواقع المؤلم. ولكن يمكننا ببساطة أن نرى جيدًا وبوضوح العلاقة المباشرة بين الفساد بشكل عام، والفساد السياسي بالذات، وبين موت أبنائنا المجاني الذي يحاول البعض استغلاله بشكل بشع في تصفية حساباته ونزعاته الانتقامية والتغطية على مواقفه المنحطة وتدليساته السياسية والإعلامية.