مؤمن الهباء
شهادة -الحوار السعودي الإسرائيلي
ليس هناك ما يمنع من إجراء حوار بين السعودية وإسرائيل علي أي مستوي.. لكن كان يجب ألا يتم هذا الحوار مجانا وبلا ثمن.. فالسعودية بلد كبير وله ثقل عظيم في محيطه العربي والإسلامي.. ودخوله في حوار علني مع إسرائيل منحة هائلة للدولة الصهيونية كان لابد أن تدفع له ثمنا مكافئا.. وأقل ثمن في هذه الحالة كان إعلان إسرائيل رسميا الموافقة علي المبادرة العربية للسلام.. التي هي في الأساس خطة سعودية تبناها العرب جميعا لحل النزاع وتسوية القضية الفلسطينية باقامة دولة للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس مقابل إقامة علاقات عربية كاملة مع إسرائيل.
أقول ذلك بمناسبة اللقاء الخاص الذي جمع الأمير تركي الفيصل المدير السابق للمخابرات السعودية واللواء يعقوب عميدرور مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني الخميس الماضي.. وهو اللقاء الذي احتفت به الأوساط الإسرائيلية.. وهللت له صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" باعتباره سجل هدفا استراتيجيا وتاريخيا لصالح الدولة الصهيونية في زمن الفوضي العربية.
قالت الصحيفة إن الفيصل وعميدرور اتفقا علي موضوعات كثيرة مثل الموقف من إيران وأهمية النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط رغم الخلاف في وجهة النظر مع الإدارة الأمريكية.. لكن لم يطرأ جديد في موقف كل منهما إزاء عملية السلام والقضية الفلسطينية.. فقد قال الفيصل: "لا أفهم لماذا لا تسعي حكومة نتنياهو لاقتناص ما قدمناه بمبادرة السلام العربية عام 2002 وأن تعمل ليس فقط مع الولايات المتحدة وإنما مع العالم العربي لإحلال السلام.. بينما نفي عميدرور مسئولية نتنياهو عن فشل عملية السلام مطالبا بتكوين مظلة من التعاون بين العرب وإسرائيل تمهد لوضع القضية الفلسطينية علي طاولة المفاوضات مجددا.
وهكذا.. حصلت إسرائيل علي جائزة كبري مجانية.. وكسرت حاجز المقاطعة مع السعودية التي أعلنت في كل مناسبة أنها ستكون آخر دولة عربية تمد يدها لإسرائيل.. صحيح أن اللقاء تم بين مسئولين سابقين.. لكن الثعلب الصهيوني لم يترك الفرصة تمر دون أن يبعث برسالة خبيثة يقول فيها إن المستقبل قد يفتح ذراعيه للأمير.. وأن يدعوه لزيارة القدس بعدما قال الفيصل إن حلمه الكبير هو الصلاة في المدينة المقدسة.. ولكن هذا لن يحدث قبل التوصل إلي سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
ولعلنا لا ننسي أن الملك فيصل - رحمه الله - والد الأمير تركي كان قد أعلن من قبل أمام وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر انه رجل طاعن في السن.. وأن أمنيته الأخيرة أن يصلي ركعتين في المسجد الأقصي.. لكن شتان بين الموقفين.. الملك فيصل كان يدافع بمقولته عن الحق العربي والإسلامي في القدس والمسجد الأقصي.. وقطع امدادات النفط عن أمريكا والغرب خلال حرب اكتوبر المجيدة من موقف قوة.. أما مقولة الأمير تركي الفيصل فقد جاءت في إطار لقاء مجاني مع شخصية صهيونية متطرفة لا تقل تعصبا عن نتنياهو الذي يتباهي بأن الجولان صارت إسرائيلية ولن تعود إلي سوريا.. وأنه يتعهد بعدم اقامة دولة فلسطينية.
رحم الله الملك فيصل الذي قضي نحبه شهيدا في معركة الكرامة والعزة.. فالأمريكان والصهاينة لم ينسوا له أبدا أنه تجرأ واستخدم سلاح البترول في المعركة.. وأذل أنفاس الأمريكيين والغرب عموما.. ولقنهم درسا تاريخيا.. ولذلك قتلوه بيد أحد أبناء عائلته.
ولا شك أن الأمير تركي الفيصل يعرف أكثر مني.. ومنا جميعا.. كيف تتلهف إسرائيل علي التطبيع مع أي من الزعماء العرب.. شريطة أن يكون التطبيع في قضايا بعيدة عن القضية المحورية.. قضية فلسطين.. هي مستعدة للتعاون والتنسيق والمجاملة في قضايا مثل إيران والشراكة الاقتصادية ومقاومة داعش وحزب الله وحماس.. وكل شخصية عربية كبيرة تلتقي معها هي صيد ثمين.. لذلك كان يجب ألا يكون اللقاء - أو أي لقاء آخر في المستقبل - بلا ثمن حقيقي.