عباس الطرابيلى
هموم مصرية- مدافن.. ترد الروح!
كشفت الزميلة إيمان الجندى ـ فى تحقيقها ـ الرائع عن المدافن.. وسوق المدافن ونشرته «الوفد» من عددين، إنه حتى بيت الآخرة.. المدفن. التربة.. أصبح الآن درجات، وليس فقط الإنسان درجات فى الحياة المعيشية.. ولكنه أيضاً أصبح درجات.. ولم أصدق أن هناك مقابر معروضة للبيع الآن بسعر يصل إلى 300 ألف جنيه.. يعنى هرم خوفو يامولاى!! بل وان مقابر الحكومة يصل سعر المقبرة فيها الآن إلى 180 ألف جنيه.. يعنى المزادات دخلت حتى عالم الأموات.
<< وقد يقول قائل إن هذه وتلك تقع فى المدن الجديدة.. وانها بذلك تخضع لنفس أسعار كل شىء ـ فى هذه المدن ـ ولكن المؤلم أن بعض المقابر فى المدافن القديمة ليس فقط فى القاهرة الكبرى.. ولكن أيضاً فى مدن الدلتا يصل فيها السعر الى نفس الأسعار.. بالمدن الجديدة!!
وطبقاً لما ذكرته الزميلة إيمان الجندى، فإن الحكومة حددت السعر بحوالى 55 ألف جنيه للمقبرة مساحة 40 متراً.. ولا يحصل عليها المواطن إلا بعد سداد مقدم قدره 15 ألف جنيه للحجز.. بينما الأرض ـ بدون إنشاء ـ فالسعر هو 100 ألف جنيه. ومن يريد يتحمل ويبنى على مزاجه.. نعمل إيه.. كله فكر فرعونى قديم من آلاف السنين. يعنى: مصطبة.. أو تحت الأرض.. وبالعمق الذى يحفظ الجسد، ومن أراد أن يبنى هرماً.. فلا مانع.
<< والمصرى ـ ابن أجداده ـ ينفق على بيت الآخرة.. ربما أكثر مما ينفق على بيت الحياة الدنيا.. انطلاقاً من أن حياة الدنيا تحسب فقط بعشرات السنين بينما حياة المصرى ـ فى بيت الآخرة ـ تمتد آلاف السنين.. من هنا جاء اهتمامه ببيت الآخرة.
<< وسبب التهاب أسعار المدافن هو الإصرار على أن تكون المقابر بالقرب من مساكن الأحياء. وأيضاً عدم توفر مساحات كافية من الأراضى تخصص لبناء المقابرعليها، بالذات فى الدلتا.. حيث يشارك الأموات الأحياء فى هذه الأرض، وربما يختلف الفرق فى الصعيد.. أى بعيداً عن مساكن الأحياء ولكننا لم نتبع نفس أسلوب حياة أجدادنا. إذ كان المصرى يبنى بيته للحياة الدنيوية شرق النيل.. أى حيث تشرق الشمس.. أى تبدأ الحياة من الشرق.. وكان يبنى مقبرته ـ وهى بيت الحياة الأبدية ـ غرب النيل.. أى حيث تغرب الشمس.. والمعنى واضح، أى حان وقت غروب الجسد فيجب دفنه حيث تغرب الشمس، أى حيث تنتهى الحياة.
ولهذا أقام الأجداد معابدهم ومساكن حياتهم شرق النيل.. أما مساكن الحياة الأخرى.. فهناك، أى حيث يودعون الشمس.. فى الغرب.. حيث غروب الشمس.
<< وإذا كانت الأسرة المصرية تواظب على زيارة الراحلين الذين جاء أجلهم فى الأعياد.. والمناسبات.. يشاركون الموتى حياتهم.. وهم يحملون من الأطعمة والحلوى ما كان يحبه العزيز الذى رحل.. فإن هذا السلوك مازال هو.. هو الآن وكثيراً ما رأيت أرملة تقف أمام قبر زوجها وهى تهمس وتتحدث إليه وكأنها تناجيه.. وهى على ثقة بأنه يسمعها.. فإن ذلك يأتى تجسيداً من عقيدة المصرى ـ ومن آلاف السنين ـ بطريقة المحافظة على الجسد، بالتحنيط ـ ليظل كما هو ـ فى رأيهم ـ ليتحدثوا إليه.. وربما يطلبون نصيحته.
<< ومن المؤكد أن الاهتمام ببناء مقابر ـ ترد الروح ـ الآن نابع من فلسفة المصرى ـ الفرعونى ـ حتى إننا وجدنا مقابر الأجداد.. ولم نجد مساكنهم.. ومن هذا المنطلق يهتم المصرى الآن ببناء المقابر.. وتجهيزها.. وتزيينها حتى وإن دفع فيها مئات الألوف من الجنيهات.. كما يحدث الآن.
برافو إيمان الجندى.. فقد عدتِ بنا إلى عصر الأجداد!!