أعترف أننى بذلت مجهوداً لا بأس به هذه المرة فى البحث عن موضوع يصلح للكتابة فى هذه المساحة الأسبوعية التى تمنحنى إياها جريدة «الوطن».. ذلك الصرح المحترم الذى أشرف بانتمائى إليه.. لم تكن المشكلة أن أجد ما أكتب عنه.. بل أن أجد ما يستحق تلك المساحة.. وهذه الكلمات! ولكن المشكلة أننى لم أجد بالفعل!
أعرف أن البعض قد يتعجب مما أقول.. وربما أجد من يستنكر كيف أننى لا أجد ما يستحق فى ظل كل هذا الصدام والصراع الذى نحيا فيه.. فالوضع قد صار مشتعلاً بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية.. وما زالت الحكومة تقع فى نفس الأخطاء الصغيرة فى كل المجالات التى تدفع بنا دوماً إلى جدال لا ينتهى.. والتى تجعل المشهد العام ملبداً بالغيوم بصورة مستمرة.. فالانقسام الذى حدث منذ توقيع اتفاقية ترسيم الحدود المصرية السعودية ما زال قائماً.. وما زال السادة الوزراء يلقون إلينا بتصريحاتهم العجيبة.. حتى عمرو دياب.. ما زال يثير الجدل بألبوماته الجديدة!
إنه الجدل الذى لا ينتهى فى كل الأمور.. والذى يطلق البعض عليه «الهرى» على مواقع التواصل الاجتماعى وفى الشارع وعلى المقاهى.. والذى أصبح معتاداً أن نراه يتخذ منحى جديداً بمعدل متسارع.. وصل تقريباً فى تقديرى إلى ثلاثة أيام على الأكثر!
الطريف أن كل هذا «الهرى» لا يؤدى إلى شىء على الإطلاق.. لا يصنع فارقاً أو يخلق حالة.. بل إنه لا يقدم حلولاً للمشكلات التى يناقشها أو يبتكرها ليناقشها!.. إنه نوع من النقد لمجرد النقد.. والاعتراض على الوضع دون تقديم البديل..! فقط فى بعض المرات تمكن الجدل من صنع بعض التغيير.. ولكن البعض يعتقد أنها كافية لتستمر الحالة. المشكلة أن أحداً لا يلتفت إلى الأزمة الحقيقية التى نعانى منها جميعاً.. فالوضع الاقتصادى قد أصبح حرجاً للغاية..
والقيمة الفعلية للعملة تنخفض بصورة مستمرة.. ولا أحد يعلم ما سوف تسفر عنه الأيام المقبلة! أعرف صديقاً مثقفاً يقول دائماً: البوصلة الحقيقية لأى نظام هى وضعه الاقتصادى.. وضبط الأسعار فى أسواقه.. المعارضة تجد نفسها فى مراحل الضعف الاقتصادى.. إذا شعر المواطن بتحسن فى حالته الاقتصادية لن يستمع لأى أصوات معارضة..
يستطرد صديقى: هل تجد هذا النوع من الجدل فى أى دولة من الدول ذات الاقتصاد القوى والعملة الثابتة المستقرة؟!
الشعب يا صديقى يبحث عن قوته دائماً.. فإن وجده لن يضيره شىء.. لن يضيره أن يحكمه من يرضى عنه أو لا..!
إنه المال الذى يحكم العالم.. وليست الأنظمة!
أعرف أنه محق إلى درجة كبيرة.. فحتى المشروعات التى يتم إنجازها على الأرض لم تشفع للنظام حتى الآن.. لأنها ببساطة لم تنعكس على المواطن بعد!
منذ أسبوع مضى كان السيد الرئيس فى الفرافرة يحتفل بحصاد مشروع القمح هناك.. إنه مشروع عظيم بالفعل.. والذين سافروا إلى هناك يدركون جيداً أن الإنجاز الذى تم هو إنجاز تاريخى.. ولكن أصوات «الهرى» فى كل مجال كانت أعلى من صوت الآلات التى تحصد وتدرس.! هناك مقولة ساخرة للكاتبة لميس جابر.. أنها تحمد الله أننا تمكنا من تحرير سيناء قبل ظهور الفيس بوك!.. تختلف أو تتفق معها.. ولكنها -فى رأيى- محقة!
أعتقد أن التحدى الحقيقى أمام الحكومة والنظام الآن هو تحسين الوضع الاقتصادى.. وبأقصى سرعة ممكنة.
فلن يتوقف الجدل الدائر فى كل المجالات إلا إذا وجد المواطن قوت يومه.. وقتها لن تجد المعارضة أرضية تستند إليها.. وسيجد النظام ما يشفع له فى ظل كل هذه الأخطاء.. ولكن حتى هذا التوقيت.. سأظل مصراً على رأيى.. لا شىء يستحق الكتابة عنه بالفعل.. ليبقى كل ما يكتب.. بعضاً من «الهرى»!