مرسى عطا الله
جمال الأفغانى وسماحة الإسلام!
2 - يدفعنى المشهد المرتبك فى معظم أقطار الأمة العربية إلى تذكر عبارة مأثورة تقول: «إن الإنسان عدو ما يجهل» وأى فهم وتفسير لهذه العبارة لابد أن يدفعنا إلى الإحساس بالخطر عندما يتزايد مقدار التباعد بيننا وبين الفكر والعلم والتقدم العالمى المعاصر لأن هذا التباعد يجعلنا فى وضع المغترب إزاء تيارات فكرية وبحوث علمية واختراعات تقنية
وبالتالى يشيع فى نفوسنا ــ تلقائيا ــ ألوانا من الشعور بالعداء نحو ما نجهل ليختلط مع مشاعر أخرى مثل الكراهية والتزمت والرجعية إزاء الأفكار والعلوم العصرية فنفقد عنصر العقل الراجح ونتشيع لأساليب الحياة البدائية!
إن التراث الحقيقى لأية أمة ليس فقط فى مخطوطات ومجلدات وإنجازات الماضى وإنما التراث الحقيقى هو فى الفكر والعلم المعاصر فالتراث النافع لأية أمة هو آخر شوط قطعه الفكر الإنسانى فى مرحلته الحاضرة ولعلنا نتذكر جيدا أن تراث أوروبا الغربية كان فى يوم من الأيام هو آخر ما قدمه الفكر العربى إلى الثقافة العالمية.
إن تراثنا الحقيقى لا يتم الحفاظ عليه بدعوات الجمود والانعزال والانكفاء على النفس والاغتراب عن الآخرين وإنما التراث الحقيقى هو القدرة على متابعة واكتساب ما جرى على امتداد الكرة الأرضية من إنجازات علمية وتيارات فكرية ضمانا لاستمرار تجديد العقل. ولعلنا نتذكر ما كان يجرى منذ سنوات فوق أرض أفغانستان المسلمة من ممارسات ترتدى عباءة الإسلام وتشكل أبلغ إساءة له ولجميع المسلمين فى نظر الآخرين فإن المفارقة هى أن أحد أهم دعاة التنوير الإسلامى الذين سجلوا بصمة حضارية رفعت من شأن الإسلام قبل أكثر من قرن من الزمن كان من نبت هذه الأرض وهو المفكر العظيم جمال الدين الأفغاني.
كانت الرسالة السامية للأفغانى أن ينتقل بالنبض الصحيح للإسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها وأن يباهى بالنهضة الفكرية التى تحملها شريعة الإسلام مع من كانوا يزعمون فى ذلك الوقت أنهم دعاة الحضارة الحديثة.
كانت دعوة الأفغانى دعوة خالصة من أجل نهضة العالم الإسلامى بالمفهوم الحضارى الذى يستوعب بين جنباته كل أصحاب الديانات الأخرى على السواء كأبناء حضارة واحدة وكنموذج عملى على سماحة الإسلام.
وغدا حديث آخر
خير الكلام:
<< الناس بأزماتهم أشبه منهم بآبائهم !