الوفد
عصام العبيدى
إشراقات- أغور.. فى داهية!!
أحياناً أكتب مقالاً.. وتمر عليه الأيام.. وأفاجأ بأحداث تجبرنى على العودة لهذا المقال.. لأنه باختصار كان يتحدث عن واقع.. ويستشرف المستقبل.. عن «كارثة» تحدث كل يوم فى بلادنا!!
فمنذ عام مضى كتبت مقالاً.. بعنوان: «أغور فى ستين داهية».. عن أحلام وأمانى الشاب المصرى.. والتى انحسرت فى شيء واحد هو أنه يغور فى ستين داهية!!
وهى كلمة قاتلة.. تعنى أن هذا الشاب تمكن منه اليأس.. وفتك به الإحباط.. حتى أصبحت أقصى أمانيه.. هى الفرار من هذا الوطن.. والبعد عنه حتى لو كان ذلك عن طريق ركوب البحر.. فى هجرة غير شرعية.. فى مغامرة غير محسوبة.. قد تودى به إلى الهلاك غرقاً.. ليصبح طعاماً لأسماك البحر المتوحشة!!
ورويت فيه حكاية الشاب السكندرى.. الذى تخرج فى الجامعة وظل سنوات وسنوات يطرق أبواب العمل.. وللأسف الشديد سدت في وجهه كل الأبواب.. فالوظيفة محتاجة واسطة.. وهو من أسرة متواضعة.. ﻻ يملك هذه الواسطة.. أو محتاجة لفلوس تدفع كرشوة.. وهو من أسرة فقيرة بالكاد يقوى رب الأسرة على إطعامها.. لهذا تسربت الوظائف من بين يديه كالماء من الغربال.. حتى تمكن منه اليأس والقنوط.. بعد أن أصبح يشعر بالعار من استلام المصروف اليومى من والده!!
ومن هنا اتخذ الشاب قراراً.. هو الأخطر في حياته.. وبالفعل ارتدى ملابسه.. وحزم حقيبته.. وودع أسرته وركب القطار المتجه إلى القاهرة.. وبعد ساعات معدودة.. نزل على رصيف محطة مصر.. ليركب الميكروباص المتجه إلى الجيزة.. وقال للسائق: السفارة الإسرائيلية يا أسطى!!
وأمام مبنى السفارة.. نزل من السيارة.. وسار كالميت.. حتى وصل لضابط الأمن الوطنى الجالس فى مدخلها.. ليدور بينهما حوار أغرب من الخيال.
< الضابط: عايز إيه؟!
- الشاب: عايز أطلع للسفارة الإسرائيلية!!
< الضابط: وعايز إيه م السفارة؟!
- الشاب: عايز أشتغل جاسوس!!
بهت الضابط من إجابة الشاب.. ودعاه للجلوس.. وطلب له مشروب الليمون.. ليهدأ من روع الشاب.. حتى استراح الأخير للضابط.. وبدأ يروى له مأساته.. من طقطق.. لسلام عليكو!!
وهنا رق قلب الضابط الإنسان.. وصرف الشاب من مبنى السفارة.. بعد أن أوضح له خطورة ما فعله.. وأنه حرصاً على مستقبله.. سيتركه يعود لبلده.. فبكى الشاب.. وسار ودموعه تغرق ملابسه من اليأس.. ومن إنسانية الضابط الشاب!!
هذه حكاية الشاب السكندرى.. التى كتبت عنها مقالى «أغور فى ستين داهية»!!
ومنذ أيام طالعت صرخات الأهالى.. خوفاً وذعراً على مصير أطفالهم.. والذين تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشرة والسادسة عشرة.. وقد ألقوا بأولادهم فى عرض البحر.. فى رحلة اللاعودة إلى الجنة الموعودة إيطاليا.. وكانوا يتابعونهم تليفونياً.. حتى إذا ما ركبوا المركب المتجه بهم إلى إيطاليا.. حتى انقطعت بينهم خيوط الاتصال.. وتمزقت قلوبهم خوفاً وذعراً على مصير أطفالهم الصغار.. فراحوا يستصرخون رئيس الجمهورية ووزير الخارجية من أجل البحث عن فلذات أكبادهم!!
أوضاع مأساوية.. أحلم باليوم الذى أسمع فيه عن أمنية شاب مصرى.. أنه يتمسك بالعيش والعمل والاستقرار فى بلده.. وبين أحبابه وأهله.. دون أن «يغور فى ستين داهية»!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف