الأهرام
جمال زهران
الشباب.. والفراغ السياسى.. وحرية الرأى
أعاد الأستاذ محمد عبدالهادى علام (رئيس التحرير) فتح ملف الشباب، بمقاله الواضح بعنوان: [ضحايا وليسوا جناة: الشباب ودور السلطة السياسية]،
وكان واضحا عندما وصف المسألة بأن هؤلاء الشباب المصري، ضحايا وليسوا جناة أو مجرمين مهما كانت جريمتهم. وقد استثنى فئة الشباب المحدودة التى استخدمت العنف وتورطت فيه، وهم بين أيدى القضاء لتطبيق القانون. وختم بالقول بأن «الخصومة مع الشباب تعنى الخصومة مع المستقبل بكل وضوح، وأن من يريد ذلك هم شبكات المصالح الخاصة التى تمتلك فضائيات ومواقع الكترونية».

وباعتبارى أحد المهتمين بهذه القضية فكرا وسلوكا سياسيا، وبحكم عملى فى الجامعة بالاختلاط الدائم بالشباب أكثر من 30 سنة، وبحكم ممارستى السياسة لأكثر من (40) عاما أيضا، فقد سبق لى أن تقدمت بعدة أوراق علمية وعملية (أى قابلة للتطبيق) سواء فى مؤتمرات علمية أو سياسية، وكذلك لمسئولين كبار من هذا المجال، بل وتوليت الاشراف على تطبيق تجربة تنشئة سياسية حرة ومستنيرة، اختلط فيها الشباب بكافة الاتجاهات الفكرية والسياسية بحيث يرى ويعايش الشباب كل هؤلاء، وله أن يختار طريقه، لأنك بهذه الطريقة تسهم فى اعداد الشباب لمصر.. وليس لحزب حاكم يريد أن يستمر للأبد، ويستغل امكانات الدولة لصالحه فى ضوء ذلك كله يمكن الاسهام فى هذا الحوار والدفع به للأمام.

كما أننى أعتز بأن كنت بحكم سنى آخر جيل منظمة الشباب الاشتراكي، وشغلت موقع أمين الشباب فى شبرا الخيمة وأمينا مساعدا على مستوى محافظة القليوبية، إلى أن تم الغاء وحل المنظمة على يد السادات!! بما يتعارض مع مصلحة الوطن والشعب المصري!! وابتداء، فإن الموضوع لن يحل بمقال، أو لقاء تليفزيوني، أو فى ذلك الجو الملبد بالغيوم، حيث اختلطت الأوراق واختلت المعايير، وغاب المنطق، والحسم الغائب، وغير ذلك فالموضوع أكبر مما يتخيله أحد. فالتوصيف الحقيقى لحالة الشباب الآن، تعرضه وتعريضه لحالة التمزق والتلاعب بالبعض واستثمار البعض والدفع بالبعض فى السجون على خلفية قانون ظالم هو قانون التظاهر الذى غيب حرية التعبير بلا منطق. بل ان كثيرا من الشباب يطاردون ويلاحقون لمجرد تعبيرهم بالرأى على صفحات التواصل الاجتماعي، فتتبدد معه حرية الرأى والتعبير. فى ذات الوقت فان فراغا سياسيا يعيشه الشباب لايجدى معه محاولات الرئاسة بتنظيم برامج للشباب لاعداد القيادات، وهذا جيد، أو مطالبات الحكومة بتخصيص الأراضى للشباب.. الخ، ولكن الفراغ اكبر من ذلك بكثير. فليس هناك الوعاء الكبير الذى يحتوى ويستوعب حركة الشباب وطاقاتهم ويعيد تنشئتهم السياسية، ولو حدث ذلك فإن النجاح مرهون بالبيئة المجتمعية سياسيا واقتصاديا وثقافيا، المنحازة لقيم ومطالبات الشعب فى ثورتيه (25يناير، 30 يونيو). وأكاد أجزم أن أى محاولات مع الشباب فى غير هذا السياق لن تجدي، وتعتبر مضيعة للوقت بل التفاف حول المطالب الشعبية فى الحرية والتغيير والعدالة الاجتماعية بل والاستقلال الوطني.

وقد يتصور البعض أن بالقفز على المراحل، والعودة إلى إنتاج نظام مبارك برموزه، وسياساته وقواعد حكمه، يقدر على استيعاب الشباب أو دمجه فى المجتمع، فهو تصور خاطيء وخاسر، ويفقد المجتمع أغلى ماعنده من وقت وجهد وطاقة وقاعدة المستقبل. ومهما تم عمله وانشاؤه من مشروعات ـ رغم أهميتها ـ فانها بلا حماية اجتماعية، وبلا تأييد شبابي.

كما أن التوصيف الحقيقى والأمين لموقف الشباب من الحكم سواء بعد 25 يناير 2011م، أو بعد 30 يونيو 2013م، أن السلطة السياسية الحاكمة لاتعبر عنهم، ولاتستجيب لمطالب الشعب، ولاتنحاز للغالبية العظمى من الشعب، بل تنحاز إلى الأغنياء، وعندما يتحاور معك الشباب تأكيدا لذلك يقولون، ان الدولة تراجعت فى عهد الحكومات الثلاث (الببلاوى، محلب ـ اسماعيل) لصالح رجال الأعمال مثالا تراجعت عن الضريبة التصاعدية وأصبحت 22.5% بدلا من 25%!! كما تراجعت عن ضريبة البورصة!! كما ألغت حق الطعن للشعب على العقود الحكومية!!، كما خفضت سعر الغاز لشركات الحديد وغيرها، فحققت هذه الشركات مكاسب بالملايين بل المليارات!! وفقدت السيطرة على العملة!! وفوق هذا وذاك اعادت بعض رموز مبارك فى المراكز الحساسة حتى أن المشروعات القومية، أختير وزير من حكومة نظيف للاشراف على احداها!! وكأن مصر عقمت من وجوه جديدة يمكن أن تشارك وتسهم فى تجديد الدماء وبالتالى دعم الثقة فى الحكم.

وفى المقابل ليست هناك إجراءات حاسمة فى مجال مواجهة الفساد، ومازال رجال مبارك يحصلون على البراءات تباعا، وأصبح المشهد السائد هو البراءة للجميع حتى أصبح الوضع مقلوبا، هؤلاء على حق بينما الشعب هو المخطيء، كما أن الإجراءات المتبعة فى مجال العدالة الاجتماعية أو الانتقالية غير واضحة!! فعندما تنحاز السلطة للأغنياء ولا تكون قادرة على مواجهة فسادهم، فهى سلطة بالتبعية ضد العدالة الاجتماعية، وهذه هى صورة البيئة المجتمعية عند الشباب بعيدا أيضا عن حرية الرأى والتعبير التى تتراجع، ومن ثم فإن فجوة كبيرة بين الشباب والسلطة تتسع وتحتاج للنظر العاجل، وإلا فانتظروا الكارثة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف