الوطن
سهير جودة
فضاء العقل وفراغه
الامتلاء بالضجيج حد الإنهاك مؤكد أنه حالة الأغلبية من عقول هذا الوطن، فعقلى الذى يستجير مطالباً بإجازة قصيرة وتهميش الأحداث المهمة ليس حالة فردية بل هو حالة عامة تتمنى لو تتوقف دورة الأحداث اليومية بتفاصيلها المتكررة فنحن كما لو كنا نتنفس الحياة دون مذاق وباستغراق واستفهامات ووجع يدخلنا فى شقاء طويل، فهل نستطيع التخلى عن التفاعل والانفعال بالأزمات والقضايا والإعلام ومواقع التواصل؟

عقلى يراودنى على النسيان والعصيان ويطالبنى ألا أكتب عن أزمة الصحافة مع وزارة الداخلية، الأزمة التى استحكمت حلقاتها وضاقت ولم تفرج، ألا أكتب عن تحالف الإهمال مع الفساد والتراخى الذى تسبب فى كارثة مثل حريق العتبة وأخواتها من الكوارث اليومية، ألا أكتب عن الشر والخيانات التى تمكن ذئاب الإرهاب من خلق مساحات للتسلل منها بخسة ودناءة ليكون لدينا كل يوم شهداء، ألا أكتب عن المزايدات والنضال الإلكترونى والشحنات السلبية والشر والفراغ والكلام الأجوف وصناعة الأكاذيب والعقد النفسية والسياسية والأجندات الشاذة التى تملأ فضاء مواقع التطاحن الاجتماعى ونشطاء الشر الذين يستعينون على الشر بالشر، ألا أكتب عن زعامات الإعلام المحلقة فى فضاء العقل وفراغه، ألا أكتب عن الخبل والهستيريا الموجودة فى الشارع السياسى، فهذه الحالة خلعت عنه رداء السياسة وأخذت الشارع فأصبحنا نعيش على اللا شىء ولكنها الهستيريا الجماعية، ألا أكتب عن الجهاز الإدارى، خاصة المحليات، حيث أعلى تجليات الفساد التى تسد شرايين مصر من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب وكيف أصبح الزهو بالفساد والفشل أسلوب حياة..

ألا أكتب عند دواعش الفكر، وهم كثر، والأصعب وجود هؤلاء الدواعش فى أجهزة الدولة مع المأخونة قلوبهم، وبالتالى يبقى الإرهاب ينخر فى عظام الوطن..

ألا أكتب عن قضايا مصيرية تحولت إلى شعارات جوفاء مثل تجديد الخطاب الدينى الذى لن يتجدد إلا بتغيير وغياب من يتعاملون باعتبارهم وكلاء الله على الأرض وبتوقف استخدام الدين كتجارة رابحة مع الناس ووجود وحضور فصيلة أخرى من البشر تمتلك الوعى والثقافة والتنوير وإعلاء قيم التفكير والقيام بثورة لتغيير المناهج وخلق مناخ تنويرى وعلم حقيقى..

وألا أكتب عن حملات تمكين الجهل والفساد ومفاخرة الجاهل بجهله طالما كان لدينا نظام تعليم يملك من التعاسة ما يجعل الجهلاء فى ازدياد، ألا أكتب عن الغيبوبة الجماعية التى تجعل الشعب بأكمله لا يدرك ما هو الظرف الذى يعيش فيه ولا أى مرحلة تاريخية مصيرية وصعبة أصبحنا فيها.

إننا فى صراع وجود نحتاج فيه أقصى درجات اليقظة وليس أعمق مراحل الغيبوبة نحتاج أقصى درجات الجهد والعمل وليس التطرف فى التواكل وغياب الدقة والضمير وحضور البطالة.

ألا أكتب عن غياب قيم العلم والعمل والوعى التى هزمتها وتفوقت عليها السطحية والانتهازية وتغييب العقل وغربة المعرفة..

ألا أكتب عن الهبوط والتدنى وانتحار الأخلاق وغياب الرقى واستبداد العشوائية بأعراضها وأمراضها وسلوكياتها وثقافتها.

كم تحتاج عقولنا إلى إجازة من كل هذا الضجيج.. لكننا للأسف نصحو ونفيق يومياً على كارثة أفدح من السابقة.. كم أجهدتنا واستنزفت قوانا العقلية والجسدية والروحية.

الأسوأ أننا لا نملك ترف تجاهل كل هذا، فهى طاحونة تسحق عظامنا يومياً وترهقنا.. فأين المخرج وإلى متى؟

حقاً.. لقد هرمنا من الوجع والعبث.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف