البديل
مايكل عادل
فن الكتابة الرخيصة
الإرهاب لا يعرف الفارق بين مواطن وآخر، الإرهاب لا يميّز بين رجل وامرأة، مسيحي ومسلم وملحد ولاديني، مصري وأجنبي، جيش أو شرطة، وإنما يتعرّض المسؤولون عن حماية الوطن إلى الخطر الأكبر بحكم مسؤوليّتهم وموقعهم المُجابِه للأخطار.

تعرّض عدد من أفراد الشرطة إلى إطلاق أعيرة ناريّة من عناصر مسلّحة أثناء خروجهم في حملة أمنيّة بحلوان، مما أدّى إلى استشهاد كافّة أفراد الشرطة وفرار الجناة بعد أن تأكدوا من إتمام جريمتهم البشعة في حق الضابط والأمناء المصاحبين له وفي حق المارّة الذين تم ترويعهم وفي حق الوطن الذي لا ينتظر المزيد من الألم والترويع والحزن، ليزداد تعداد الشهداء مرّة جديدة بمأساةٍ جديدة.

بمجرّد وقوع ذلك الحادث الأليم، بدأت الأقلام المسنونة المُبرمَجة في تجاهل الجانب المأساوي في الواقعة، والقفز فوق جثث الشهداء دون رحمة –حتى ولو باللفظ- لتبدأ في تحميل حركة الصحفيين المصريين مسؤوليّة الحادث، دون استناد إلى منطق أو عقل أو أي أبجديّة من أبجديّات التفكير الآدمي على طريقة “فلان ينعي والده، ويصلح ساعات”!

في الوقت الذي لم يصدر عن أي جهة من الجهات التي على خلاف حقيقي وعميق مع وزارة الداخلية لأسباب عديدة إلا بيانات العزاء والتضامن والترحّم على الشهداء، ولم تفكّر أي جهة في استخدام الحدث البشع للحديث عن البوصلة الأمنية الموجّهة للمعارضين بالكلمة، في الوقت الذي يحمل فيه الآخرون السلاح ويتجوّلون به في الشارع ويقتلون به الأبرياء.

لم يوظّف أحد المختلفين مع الشرطة الحدث في الكلام عن مسؤولية وزير الداخلية عن الحادث بتكثيفه لجهود الوزارة في تتبع السلميين والتفتيش في أمورهم الخاصّة وملاحقة الصحفيين والمحامين والكتّاب أمنياً في الوقت الذي كان هناك مسلّحون يخططون لجريمة بشعة على قارعة الطريق دون أن يرصدهم أحد أو يفشل مخططهم الدنيء أحد.

لم يستغل أحدهم الظرف السيء في المزيد من الضغط وتوضيح عدم صلاحية السياسة الأمنيّة الحالية التي تفرّغ الساحة من أي معارضة كلاميّة لتظهر على الساحة تلك الكيانات الظلاميّة التي لا تعرف الكلام بقدر معرفتها للدماء والرصاص والذبح، وكذلك لم يخرج بياناً واحداً يقفز على الواقعة ليقول بأن الجمعيات العمومية والمبادرات والوقفات الصامتة ومنشورات الفيسبوك وتويتر ومقاطع الفيديو الساخرة والأعمال الفنية والأدبية والأبحاث المختصة في شأن تجديد الخطاب الديني ليست بالخطورة التي تضعها على أولوية الملاحقة الأمنية بدلاً من العناصر المسلحة الإرهابية التي تهدد سلامة الوطن وأمنه.

لم يستغل أحد تلك الأحداث لسرد تلك الحقائق رغم كل ما بينهم وبين وزارة الداخلية من خلافات، بل تناسى الجميع كل شيء وأعلنوا تضامنهم وحزنهم وتقديرهم للجهود والتضحيات الكبيرة في الوقت الذي تهافت الجانب الآخر من أصحاب الأقلام الموجَّهة في توظيف الحادث ضد القوى المدنية والنقابات وأصحاب الرأي والمحامين والصحفيين والكتّاب والمثقفين والفنّانين وعم عبده بتاع الفول!

في الحقيقة أن الحادث رغم بشاعته إلا أنه أبرز أنبل ما في القوى المدنية السياسية والاجتماعيّة، وكذلك النقابات والشباب غير المسيّس، والذي انتفض لمهنته ولكرامة وطنه وسيادته على أرضه مؤخراً والذي أصابه الحزن الحقيقي على أرواح شهداء الشرطة، في الوقت الذي استثمر فيه آخرين استشهادهم للهجوم على المعارضة والحراك المدني السلمي دون هدنة أو هوادة، فإن مثل تلك الأحداث بقدر ما تُلحق من ألم في صدورنا إلا أنها تُبرز كلمة الحق أمام كلمة الباطل وتُظهر من كان الوطن قضيّته ممن كانت المصلحة الشخصيّة أو المكاسب السياسية هي مقصده ومُبتغاه. رحمة الله على الشهداء والقوّة والمَجد والعزّة لأبطال مصر على حدودها التي ستظل حدودها طالما هناك في الوطن مواطنين مُخلصين ومؤمنين بالقضيّة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف