البديل
جمال الجمل
أيها الرئيس: لماذا جعلتني أخجل أن أحبك؟
(1)
يحتار البعض في فهم علاقتي بالرئيس عبد الفتاح السيسي، خاصة وأن مؤشر الغضب في مقالاتي قد يوحي بانقلاب نفسي وسياسي ضده كشخص، وهذا غير صحيح بالمرة، لسبب بسيط هو أنه لا توجد أي علاقة مباشرة بيني وبين الرئيس، ولا بيني وبين أي مسؤول، فعلاقتي مع السلطة هي علاقة مواطن بحكام وليس أكثر، ومواقفي ليست انفعالا شخصياً يحكمه الغضب، ولا «قمصة» ولا «نفسنة»، ولا حسابات تتعلق بمصالح شخصية، بقدر ما هي رؤية فكرية وسياسية ترتبط بتاريخ من المعارضة الوطنية الإيجابية، والوعي الثوري، والانحياز لمصالح جموع الناس، حتى لو لم يدرك بعضهم حقيقة مصالحه في ضباب التزييف، لذلك فأنا لست مع أي رئيس، ولا ضد أي رئيس، أنا مع سياسات، وضد سياسات، والرئيس بالنسبة لي مثل «سائق المترو»، ليست بيني وبينه علاقة شخصية.. فقط يجمعنا الطريق.

(2)
نعم لدي غضب تجاه السيسي، واعتراضات على طريقة إدارته لبعض الملفات، لكن الرئيس (أي رئيس) ليس جاراً أشاحنه، ولا صديقاً أخاصمه.. أنا أدعم مصر، لا أدعم أشخاصا، لم تكن لدي علاقة مباشرة مع النظام في أي عهد، (ولن تكون)، لقد صممت حياتي مبكرا أن أعيش كمواطن صالح يعرف ما له من حقوق، وما عليه من واجبات، ويعرف أن محاسبة المواطن للحاكم حق وواجب معا، لذلك يا أعزائي في اليسار وفي اليمين، لن أتوقف عن دعم الرئيس في أي قرار يتوافق مع مبادئ وأهداف الثورة ومع مصالح الجموع (خاصة بسطاء الشعب)، ولن أتوقف عن نقده والاختلاف معه في أي قرار أو موقف يتعارض مع الثورة، أو يسمح باستمرار دولة التخلف والفساد والاحتكار، وما أكثر هذه القرارات الحارقة للدم التي اتخذها السيسي، حتى صار دعمه «رغبة سرية» نتمناها ولا نجد ما يبررها، لأن ضمير الوطن لن يغفر لنا ذلك.

(3)
أيها الرئيس لقد وعدتنا بالعنب، فصبرنا وتحملنا، حتى تستأصل شوك النظام القديم وتزرع مكانه فواكه الثورة، فإذا بالشوك ينتشر.. ويتوغل.. ويستمرررر، بينما أنت تتكبر وتنفصل وتبتعد وتستهين بتعهداتك. صارت أيامنا سلسلة مهترئة من الحزن المُقبض، لا أخبار مفرحة، لا بشائر حقيقية لنصر قريب. الفساد مستمر، العشوائية تواصل سيطرتها بغباء، المجتمع يتفسخ برعونة قاتلة، الحمقى يتصارعون على «البرستيج» فيما جسد الوطن مثخن بالجراح، وبرغم كل هذا الألم والخراب، برغم القيود وتوحش الفساد، برغم التفسخ وتفشي الإحباط، تقول بغير اكتراث: «ما بخافش». لكننا نخاف أيها الرئيس.. نخاف على بلدنا.. نخاف على مستقبل أولادنا، فلماذا لا تشاركنا في شئ.. حتى لو كان الخوف؟!

(4)
أيها الرئيس: كم كنا نشتاق لحاكم نلتف حوله.. لفارس يحمي مطالب الثورتين، نقطع الطريق معه، ونواجه التحديات معه، لذلك غَنَّينا في الشوارع والميادين برومانسية بريئة: «لو لم نجده لاخترعناه».. فاخترعناك، وفوضناك، وصبرنا، وتحملنا، ودافعنا، لكنك خذلت نفسك قبل أن تخذلنا.. اخترت الطالحين وعزلت الصالحين، مضيت تصنع ما تريد من دون حتى أن تظهر اهتماما (ولو شكلياً) بسماع ما نريد، ضقت بنا و«عايرتنا» بالشعب في كوريا واليابان، حتى فوجئنا بهوان الأرض، والاستهانة بالفرض. استكثرت علينا الاستفسارات والاعتراضات، وأطلقت التحذيرات المتعالية: «مش عايز اسمع حد بيفتح الموضوع ده تاني».. أي غطرسة دفعتك إلى ذلك؟.. أي كارثة؟.. أي ضرورة.. أي سر؟.. ما كان يليق بشعب الثورتين أن تخاطبه بهذه الخشونة المُدانة..
أيها الرئيس/ لقد جعلتني أخجل أن أحبك.

(5)
أنا غاضب وحزين، لأننى لا أملك طريقة لوقف هذا الخبل المدمر، كل شىء في بلدي صار مجرماً ومتآمراً وقاتلاً، حتى هذه الكلمات التي أكتبها، ويكتبها غيري (مؤيداً كان أو معارضاً) صارت دخاناً يحجب زرقة السماء.. كل الطرق تؤدي إلى القهر، والبغضاء، والانقسام، والتناحر، والموت، فمن نسأل عن كل هذا الدم العبثي؟، ولمن غير الله نلجأ وبمن نستجير؟.. أشباح الفشل تشدني نحو سراديب الاكتئاب، وأنا أتابع الأحوال العجيبة في هذا البلد.. أحيانا ألمح بصيصا من نور، فأتمنى لو صدقت تصريحات المسؤولين، وأتوهم الإخلاص والوطنية في عيونهم، وأستعد لفرش الطريق إلى المستقبل بسجاجيد الأمل الوردية، لكننى سرعان ما أصطدم بالواقع المخزى يفسح الطريق للفساد على سجادة حمراء، فتتحشرج الكلمات في حنجرتي وأنا أردد بغصة: مفيش فايدة.. ملعون أبوها بلد.

(6)
يا أصدقائي على صليب الأمل، وفوق جمر الانتظار: هل تعجبكم الأحوال؟.. هل يعجبكم العسس، القضاة، قادة الجند، أفراد الطبلخانة، الحاوي في السوق، جواري السلطان؟، هل يعجبكم صراع المماليك البحرية والمماليك البرجية؟، هل تعجبكم فتاوى الفقيه الناعم الذي يملأ عمامته من عطايا الوالي، ثم يمشي بين الناس مهددا بالويل لمن يعصى ولي الأمر؟، هل يعجبكم المحتسب الجديد، والحاجب العتيد.. مؤذن الجامع الكبير.. جابي الضرائب.. مضحك الخليفة.. حامل الأختام.. المنادي على بوابة القصر، نفوذ المرابي في البلاط؟، هل تعجبكم هذه المساخر التي نعيشها؟.
كل هذا لا يعجبني..
لا تعجبني كل تلك الأكاذيب، كل ذلك الفساد، كل ذلك القهر
لا يعجبني الزيف، الغرور، البلادة، المهانة، التنطع، التزلف، التصنع، الابتذال..
هذا العماء لا يعجبني. لا شىء في زمانك يعجبني ايها الرئيس، حتى هذا المقال لم يعد يعجبني، فقد أصبح ثقيلاً ومفتعلاً، والمؤلم أكثر: أنه يعزلني، ويقتلني…. ولم يجعل لي صاحبا!

(7)
أيها الرئيس: لماذا تريدنا بيادق عمياء صماء، على رقعة شطرنج دائرية لا أول لها ولا آخر؟، لماذا تكره أن تسمع صوتاً غير صوتك، ورأياً غير رأيك؟.. لقد أصبحنا نعيد ونزيد في الكلام عن العدل والحرية ومكافحة الفساد، لكنك تحب ما نكره، وتكره ما نحب. أيها الرئيس: لا نريد (ولن نرضى أبداً) أن يكبر في دولتك الفساد، وتضيق أرزاق العباد. فلا تحيرنا معك، نريد أن نطمئن على الطريق، لندرك أن صبر اليوم سيطرح الخير غداً، ولن يكون هناك من يسرق الرزق ويقهر الروح، برغم وعود القنال و«الرافال».
……………………………………………………..
#تيران_لا
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف