البديل
أحمد بان
كيف نرغم النظام على شراكة وطنية؟
يبدو السؤال مستفزا لكثير من مواطنينا، الذين يشعرون بالمهانة من تردي أحوالهم ونكران الحكومة أو النظام السياسي لمشاعرهم أو حقوقهم أو حرياتهم، فى كل الدنيا يحاول أى نظام تحسس مشاعر وآراء الناس واتجاهاتهم وتطلعاتهم؛ ليصمم برامجه ويرشد سلوكه في اتجاه تحقيق تلك الطموحات ومراعاة تلك المشاعر والاتجاهات.

ويفعل النظام ذلك عبر أجهزة معلوماته وعبر قراءة دقيقة ومعمقة لاستطلاعات الرأي والاستبيانات التى تجريها الأجهزة الحكومية أو غير الحكومية، التي تخضع بدورها لمعايير علمية وقانونية واضحة، تجعلها مثلا حين تقيس النتائج المتوقعة لأي منافسة انتخابية تكاد تتطابق مع النتائج الحقيقية، ومن ثم فهي تعطي مؤشرات واضحة فى أي مجال من مجالات القياس المطلوبة وتحليقا مع استطلاعات الرأي وحرص النظام المصري على تحسس آراء مواطنيه، فقد جرم نشاط استطلاع الرأي وحاصره وجعله حقا حصريا لمركز مجلس الوزراء، أو جهاز التعبئة العامة والإحصاء أو مركز بصيرة الذى يكاد يكون مركزا حكوميا بنتائج استلاطاعاته وموضوعاتها، التي تتراوح بين فرح المصريين قبل الثورة بميلاد فريدة جمال مبارك، إلى أحدث استطلاع رأى حول حكم الرئيس السيسي، الذى أكدت نتائجه على موافقة 79 % من المصريين على أدائه ورضائهم عنه بعد 22 شهرا من توليه رئاسة الجمهورية.

ويكشف الاستطلاع أن الجامعيين ضمن الفئة الموافقة على أداء الرئيس بلغت 73%، بينما تصل إلى 84 % من حملة المؤهلات الأقل من المتوسطة، وبلغت نسبة القلة المارقة التي لم توافق على أداء الرئيس وعبرت عن عدم رضائها وفقا للاستطلاع نسبة 13%، الاستطلاع أجاب على سؤال حول فرص إعادة انتخاب الرئيس لفترة ثانية، فأجاب 69% بأنهم سينتخبونه، وقد عزا الموافقون على أداء الرئيس موافقتهم على مشروع قناة السويس والمشروعات الأخرى التى لم يسمها الاستطلاع، أنا بالطبع لن أناقش دقة الاستطلاع، أو حجم العينة وقياس مدى تمثيلها أو شيئا من تلك الأمور التافهة، ولن أسأل لماذا بصيرة فقط من حقه أن يستطلع أراء الناس في مصر، ولا إذا كان من حق المصريين أو مراكز الأبحاث الخاصة أن تجري استطلاعات مماثلة، فقد قضت سياسة النظم أن بحوث الرأى العام فى مصر لا يجب أن تتجاوز عتبة بحوث التسويق وقياس الرضا عن الشيكولاته أو اللبان.

أما طبيعة الحكم ورضاء الناس أو أي قضايا جادة، فمكانها الفيس بوك أو وسائل التواصل الاجتماعى، الموسومة بالكذب والتضليل والضالعة فى مؤامرة لبلبلة الرأى العام وحشو عقول الناس بالأضاليل، النظام على فكرة غير معني أبدا بمشاعر الناس، ولا إذا كان “الشعب مبسوط” أو لا، النظام معنى بتقوية أدوات القمع والردع وإضعاف أي كيان قد يشكل تهديدا على انفراده بتقرير أمور الناس، ومن ثم هو حريص على عدم تكرار مشاهد الثورة، لذا كانت عصبيته واضحة فى مواجهة دعاوى التظاهر من أجل تيران وصنافير، أو عقد جمعية عمومية للصحفيين غضبا لكرامة نقابتهم، وقد تصوروا فى لحظة مراهقة أن نقابتهم تخلوا من المخبرين أو عملاء الحكومات فى كل العصور، من زرعوا فى الأحزاب والنقابات والاتحادات العمالية، ليتحركوا وقت الحاجة، فى حال مواجهة الحكومة لأي مساعٍ جادة لنهوض نقابة أو اتحاد أو حزب بأدواره الحقيقية، وتجاوز دوره كأحد مفردات دولة غائبة لم تتحقق شروطها الحقيقية بعد الرأى العام قوى وقادر على فرض كلمته، فقط حين ينظم نفسه فى أطر تضع لنفسها آلية جرح وتعديل، تضمن عدم مرور المخبرين أو العملاء فى كل كيان، ثم الحرص على انتخاب الأقدر على تمثيلها فى مواجهة الغير، هذا ما يحرم النظام من إمساك أمعائك ويمنحك السقف المرضى من الحرية المسؤولة، أما الإصرار على خوض معارك جزئية دون رص الصفوف وتحسس الولاءات، فلن يستفيد منه سوى جماعات المصالح فى هذه الدولة، التى لاتعدم أدوات تفجر أى فعل شعبي أو أهلي سلمي بالطبع، فنحن لانؤمن سوى بالتدافع السلمي بشرط امتلاك أدواته الفاعلة، نريد لعشرات الأحزاب السياسية التي فاقت المائة أن يتميز من بينها عشرة أحزاب فقط، يقبل الناس على اللحاق بها وتقوية بنيانها وقرارها ومنطقها وانحيازاتها، نريد نقابات مهنية ممثلة لأعضائها لا ينصرف الناس عن معاركها، بدعوى الخوف على لقمة العيش التي لن تأتى بالمرور عبر الحائط أبدا، بل بالخروج فى طلبها والدفاع عنها باتحادات عمالية تمثل العامل وليس الحكومة أو صاحب العمل، تفرض كلمتها وتتفاوض من موقع قوة مرفوعة الهامة لاتخشى السجن أو التضييق، فورائها أنصار منظمون يعرفون واجباتهم جيدا، عبر تقوية تلك الكيانات، سيدرك أي نظام أن تلك القوى لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها ومن ثم يصبح أمام أرقام تنبه أعصابه وترشد قراره، وتجبره على احترام الناس وليس احتقارهم على نحو ما يفعل الآن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف