المساء
محمد جبريل
ع البحري .. السودان لنا.. وانجلترا إن أمكن!
صدمني التعبير: كان السودان ملكا لنا. قاله المحلل السياسي - بثقة - في القناة الفضائية. وهو تعبير خاطئ تماما. وغير مقبول. فالسودان لم يكن ملكا لمصر. بل إنه كان تواصلا لوحدة وادي النيل. ذلك هو المعني الذي عملت من أجل تحقيقه معظم القوي الوطنية في القطرين علي ضفتي النهر.. شعارنا منذ حل الاحتلال الانجليزي في مصر والسودان هو وحدة وادي النيل.. وما كان يقال في البيانات الرسمية عن ملك مصر والسودان وبلاد النوبة وكردفان لا يعكس مطامع استعمارية. بل يؤكد علي الحقيقة الجغرافية التي ظلت قائمة حتي اختار السودان - لظروف سياسية معقدة - أن ينفصل عن مشروع دولة الوحدة التي انتخب الحزب الوطني الاتحادي الحاكم في السودان آنذاك. برئاسة إسماعيل الأزهري. أن يتخلي عن منهجه المعلن.
لقد غلبت الحماسة أعدادا من المتظاهرين ضد الاحتلال الانجليزي في أربعينيات القرن الماضي. فعلت هتافاتهم: السودان لنا. وانجلترا إن أمكن. وفرط الحماسة يبدو في الدعوة إلي امتلاك السودان. وأيضا انجلترا الدولة المحتلة.
بالإضافة إلي ذلك. فإن الحكومات المصرية المتعاقبة - طيلة المفاوضات مع بريطانيا - لم تحاول أن توضح المقصود بوحدة وادي النيل. مقابلا للشعار الذي طرحه الانجليز: حق السودانيين في تقرير المصير. وهو الشعار الذي عملوا علي تطبيقه - بهدف تكريس الانفصال - بوضع دستور لدولة السودان المرتقبة. كخطوة لقيام برلمان سوداني.
وللأسف. فقد أفلحت سلطات الاحتلال - إلي حد ما - في تصوير المصريين كغزاة وأعداء لأماني الشعب السوداني في الحرية والاستقلال. كما أفلحت في بث الرعب في نفوس المصريين بواسطة الجنود السودانيين ¢الهجانة¢ الذين حاولت أن تجعل منهم أداة في قمع حركات التمرد بين الشعب المصري.
تنبهت القوي الوطنية في مصر والسودان إلي المؤامرات البريطانية. فأعلنت رفض فكرة ضم السودان. اتساقا مع رفض التوسع الامبراطوري. وأكدت أن السودان لا يسعي إلي الاستقلال عن الاستعمار البريطاني ليسلم قياده إلي الاستعمار المصري. وأن إدماج السودان يتطلب استفتاء للشعب السوداني الذي يملك - وحده - حق تقرير مصيره. وطرحت القوي الوطنية شعارات منها: الكفاح المشترك. وحق تقرير المصير. وصدرت مجلة ¢أم درمان¢ التي أشرف علي تحريرها المواطن المصري محمد خليل قاسم ومجموعة من النشطاء السياسيين السودانيين. استبدلت بشعار وحدة وادي النيل تحت التاج المصري شعار وحدة وادي النيل في الكفاح المشترك ضد الاستعمار.
السودان الآن قطر عربي شقيق. تربطنا به وحدة النهر. وعلاقات الأشقاء. بعيدا عن الشوفينية التي تثير - بسذاجة سياسية - حساسيات لا معني لها. وتهمل حقيقة أن مصر والسودان جزءان في جسد واحد له مقوماته المشتركة البشرية والجغرافية والتاريخية والدينية والثقافية ويمثل النيل شريانه الرئيسي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف