الوطن
محمد حبيب
نموذج للقيادة الفاشلة
بعد إلقاء القبض على قيادات جماعة الإخوان ووضعهم فى السجون، صار الأستاذ جمعة أمين هو القائم بعمل المرشد، بصفته أكبر نواب المرشد سناً، ولما توفى آل الأمر إلى الدكتور محمود عزت، صحيح أنه كان العنصر الفاعل فى الجماعة حتى خلال فترة حكم الإخوان، إلا أنه الآن أكثر فاعلية وتأثيراً على مستوى الجماعة، وقد ترددت أخبار كثيرة حول سوء إدارته للدرجة التى أدت إلى تصدع وتشرخ بين صفوف الجماعة، وذلك بسبب ضعف قدراته وتواضع كفاءاته القيادية، فى هذا المقال والمقالات التالية -بإذن الله- سوف نلقى مزيداً من الضوء على شخصيته، وذلك للتعرف على الرجل الذى أصبح متحكماً فى مفاصل الجماعة، وما هو الحال الذى يمكن أن تؤول إليه، إن القيادة الناجحة لا بد أن يتوافر لديها مجموعة من الخصائص والسمات؛ كالعلم بأمور السياسة (الداخلية والخارجية)، ووضوح الرؤية الاستراتيجية، والخيال، والالتزام بالشورى، وعدم الإخلال بالمؤسسية.. إلخ، وهذه الخصائص ليست متوافرة -بدرجة أو أخرى- فى شخص الدكتور «عزت»، الأمر الذى جعله -كقيادى- فاشلاً بامتياز.. فالرجل:١) ضيق الأفق، ٢) يفتقر إلى الشورى، ٣) ينهمك ويستغرق فى تفاصيل دقيقة تبعده وتنأى به عن أصل القضية، ٤) يسيطر عليه شعور بأنه هو الجماعة، وأنه المسئول عنها، و٥) يستلب سلطة مكتب الإرشاد أو هيئته، كلما أتيح له ذلك.

ضيق الأفق: من أهم ما يميز الدكتور محمود عزت أنه كان منكفئاً بدرجة كبيرة على التنظيم، بل على ذاته هو، فلا توجد له علاقات اجتماعية من أى نوع خارج التنظيم، ولا أكون مبالغاً إذا قلت إنه حتى هذه العلاقات كانت تفتقر إلى التنوع، فالحديث لا يتناول إلا أحوال التنظيم؛ من حيث الهياكل التنظيمية والإدارية واللقاءات الدورية، علاوة على الخطط والبرامج ومدى ما تحقق منها وما لم يتحقق، وهكذا، لم تكن للرجل صلة بأى قوى حزبية أو شخصيات وطنية أو رموز فكرية، وكان يعتبر ذلك مضيعة للوقت والجهد اللذين يجب أن ينصرفا -حسب تصوره- إلى الجماعة لتقوية مؤسساتها، أما هذه القوى الحزبية والسياسية فلا أمل فيها، كان يتصور أن الأحزاب فى حاجة إلى الإخوان بأكثر من حاجة الإخوان إليها، ومن الغريب والعجيب، أنه عندما كانت تحدث اعتقالات داخل صفوف الجماعة، خاصة أيام الانتخابات البرلمانية، كانت قيادات الجماعة تستصرخ الأحزاب وتطالبها بعدم الوقوف سلبياً(!) لذا، كان دائماً ما يقال إن الإخوان إذا ضُيق الخناق عليهم، استغاثوا بالأحزاب وألقوا باللوم عليها لعدم وقوفها إلى جانبهم، أما إذا فتحت الدنيا عليهم، أعطوا ظهورهم للأحزاب ونأوا بأنفسهم عنها، ولا شك أن عدم التواصل مع تلك القوى جعل الدكتور عزت غير مطلع على التيارات الفكرية والسياسية، ليس فى مصر فحسب وإنما فى خارج مصر أيضاً، وهو ما انعكس على طريقة تفكيره الأحادية، فضلاً عن قصور الرؤية لديه حول الواقع الذى يجرى حوله، فى بدايات عام ٢٠٠٤، قمت بتشكيل لجنة ضمت من جانب الإخوان: محمد مرسى، سيف الإسلام حسن البنا، على فتح الباب، ومحمد عبدالقدوس، للتواصل مع الأحزاب الموجودة آنذاك، وذلك بهدف التنسيق والتعاون لمواجهة استبداد نظام حكم مبارك، والمطالبة بإصلاح سياسى، وقد عقدنا عدة لقاءات مع أحزاب: الوفد، العربى الناصرى، والتجمع، لكن هذه المحاولة لم تنجح لأسباب متعددة بعضها يتعلق بنا، وبعضها الآخر بالأحزاب، ومما أتذكره جيداً أن الوحيد من مكتب الإرشاد الذى كان متعاطفاً ومحفزاً ومشجعاً لهذا التواصل هو الأستاذ مهدى عاكف، المرشد العام، أما الدكتور عزت وآخرون (ومنهم الدكتور محمد مرسى) فلم يكونوا متحمسين بأى قدر، بل يرونه كما ذكرنا جهداً ضائعاً، والحقيقة أن ما عزز ضيق الأفق لدى الدكتور عزت هو أنه لم يكن قارئاً، بل كان بينه وبين الثقافة شبه قطيعة، وأعتقد أنه لم تكن له صلة بكتابات العقاد أو المازنى أو طه حسين أو الزيات أو الرافعى.. إلخ، وأظن أن الرجل لم يدخل سينما أو مسرحاً فى حياته، وهو ما أورثه مزيداً من ضيق الأفق، والقصة التالية تعطيك -عزيزى القارئ- فكرة واضحة عما كان يتمتع به الدكتور عزت:

كنا نحن أعضاء مكتب الإرشاد ممنوعين من السفر إلى الخارج، إلا إذا تم استئذان جهاز مباحث أمن الدولة، ولأن هذا الأمر كان صعباً على أنفسنا، فقد كنا ننتدب أعضاء من مجلس الشعب (على سبيل المثال: محمد سعد الكتاتنى وسعد الحسينى) للسفر لحضور اجتماعات مجلس الشورى الدولى أو مكتب الإرشاد العام، وفى إحدى المرات (فى مايو ٢٠٠٨)، كان سعد الحسينى قادماً من بريطانيا بعد حضوره اجتماعاً لمجلس الشورى الدولى، وكان معه محضر اجتماع الجلسة، فى ذلك اليوم لم يكن المرشد موجوداً بالمكتب، وكنت أنا والدكتور محمود عزت موجودين، فما كان من الأخير -بوصفه الأمين العام- إلا أن فتح مظروف محضر الاجتماع وقرأه، ثم قام بتصويره، احتفظ بالأصل ووضع الصورة فى مظروف آخر، وكلف أحد السائقين بحمله وتسليمه للمرشد فى منزله، عندما علمت بذلك، قلت للدكتور عزت: المفترض أن تقوم بإعداد مظروفين، أحدهما للمرشد والآخر لى، قال: لا.. هو مظروف واحد فقط للمرشد، فإذا أقر أن يطلعك عليه أو على جزء منه، فله ذلك، قلت: ألم تقرأه أنت؟ قال: نعم.. قلت: ألم يقرأه سعد الحسينى وهو ليس عضواً بمكتب الإرشاد؟ قال: نعم.. قلت: ألم يقرأه أعضاء مجلس الشورى الدولى؟ قال: نعم.. قلت: فلماذا يُمنع النائب الأول للمرشد من قراءته؟ ثم لنفترض جدلاً أن المرشد تغيب عن جلسة المكتب لأى سبب، من الذى يقوم برئاسته؟ قال: أنت.. قلت: وكيف أقوم برئاسة جلسة مكتب الإرشاد ولا أعلم شيئاً عن أحد الموضوعات التى سوف تطرح عليه؟ صمت الدكتور عزت ولم يرد.. قلت: يا دكتور محمود.. هناك فارق كبير بين الرسائل العامة والخاصة، الأولى -كمحضر اجتماع مجلس الشورى الدولى- يجب أن تكون مشاعاً بين أعضاء مكتب الإرشاد، وأما الثانية فهى تلك الرسائل التى تخص شخصاً بعينه، كأن يبعث شخص ما برسالة مغلقة إلى آخر باسمه، هذه النوعية من الرسائل يجب ألا يطلع عليها أحد -أياً كان- إلا صاحبها، الغريب والعجيب أن بعض أعضاء مكتب الإرشاد الذين رويت لهم هذه القصة، ضحكوا وقالوا (تبريراً): أصل الدكتور محمود رجل حرفى(!) (وللحديث بقية إن شاء الله).

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف